- عبدالملك الحاج
لم يستكمل المغبش حديثه لوصول عدد من الرعية الى ديوان الناحية، الامر الذي اعاق العامل من تنفيذ خطته التي كان قد بدأها مع المغبش، فأمر الشاويش الجعراني باعادته إلى السجن بعد ان كان قد امر باطلاقه.
يتسلل احد العساكر الى الزنزانة ويبلغ المغبش ان العامل يدبر مكيده للتخلص من سعيد عُبيد وجماعته وسيبدأ اولا بالمغبش، فيذهب المغبش مباشرة الى سعيد عُبيد ليخبره بالمستجدات:
- اشتقع مصيبة يا بن عبيد.
- يوقع اللي شوقع قد نحن بالوسط.
- الخبير يدبر لنا مكيده وا سعيد.
- العامل ملعون المكر يجري بدمه.
- شجزعنا على واحد واحد، يشا يعسكرنا.
- مو رديت علوه.
- لما قلت له اعفيني، كان الغضب من عيونه
يطير شحاطر وسويف. - شوف يا مغبش لما يستدعيك العامل كما اشتقبل تتعسكر باين علوه يشتي ينكبك من رأس ضاحه ملسا، هو غندور لكن نحن اشنكُر بعده لينما شنندي اندينا، شنلاعبه زيط ميط، اما وطيّر بنا والا وطيرنا به.
كان العامل قد خطط لإطلاق سراح المغبش وتعيينه عسكري في الناحية برتبة شاويش ليكون احد اتباعه، بحيث تكون اول مهمة يكلف بها تنفيذه على شيخ قريته الذي قام بطرده، وعند وصول المغبش الى منزل الشيخ بالقرية سيشعر الشيخ باهانه كبيرة امام رعيته الذين سيفقد احترامهم… لذا سيكون رد فعل الشيخ قتل عسكري العامل “المغبش” وبهذه الطريقة سيكون العامل قد تخلص من المغبش وتوجه باتهامه للشيخ مباشرة وستتضاعف الاتهامات على الشيخ كونه قام في السابق بطرد المغبش احد رعية الامام من قريته ولم يقتنع بذلك بل قام بقتله بعد ان اصبح شاويش عساكر الامام بالناحية وهذا بحد ذاته كافي بان يؤدي بالشيخ ليس للسجن فقط بل الى السياف مباشرة، وهذه الطريقة ستفتح لعامل الناحية باب جديد للارتزاق والابتزاز ليس من الشيخ فقط بل ومن كبار المشائخ باعتبار ان هذا الامر يشملهم ايضا، وسيقوم العامل بعد ذلك بارسال برقية عاجلة الى الامام يبلغه فيها بان هناك تمرد في الناحية،
رد الامام سيكون صارم فمقتل عسكري من عساكره في اي مكان كان يعني المساس بهيبة المملكة المتوكلية وإمامها.
يستدعي عامل الناحية المغبش من السجن للمثول امامه، كان المغبش في هذه الاثناء يفكر بطريقة مناسبة لتفادي غضب العامل منه وبنفس الوقت تمكنه من التخلص بشكل مرن كي لا يقف بموقف الرافض لاوامر عامل الامام ويتهم بخروجه عن طوع الامام ورفض الاوام…
- عامل الناحية :
ما قلت يا مغبش اتفقنا… انت من الان عسكري من عساكر مولانا الامام برتبة شاويش.. طابت نفسك. - المغبش :
حفظك الله يا سيدي العامل.. امرك مطاع بس ما يصلح اكون شاويش والقبايل لهم سنين عساكر. - السبلاني :
انت بترفض امر سيدي عامل مولانا الامام. - المغبش :
اوامر مولانا الامام على رأسي وعيني وانا خادم من خُدام سيدي العامل وطوع امره. - عامل الناحية :
كان للمه بتتهرب.
المغبش :
يا سيدي العامل انا ما ناش جاحد لعطفك وكرمك، انا اشتيك تخلينا بجانبك اقوم بخدمتك، ابدل المدايع ابرح القصب اعمر لك البواري.. ما تطلبة مجاب الا البندقة والتنافيذ.. كما انا يا سيدي قليل عقل لا خزنتُ بعشبين اقشش، ولو عاده معي البندق “سرحة الذين آمنوا” انا فداك وا سيدي تجربنا شهر وبعدها عسكرنا. - عامل الناحية :
اشتيك تهنجم على الرعيه والا المشايخ اللي عاتتنفذ عليهم وتدي ابتهم مساحيب لا هانا واللي عا يتعنكض عليك او يضمرك دجفت ابوه قارح وجيت عندي وانا عاد اخارجك انت عتكون عسكري الامام يا مغبش وشاويش الناحية. - المغبش :
خدمتك يا سيدي والعسكرة واحدي.. لما يغلُق الشهر وجهنا مثلما تشا انت امر وانا شنفذ. - عامل الناحية :
ما بش مانع.. ليكن معك وعدين ما بش غيرهم.
اثناء تواجد المغبش بجوار العامل كان يقوم بابلاغ سعيد عبيد بكل ما يدور اولا باول وبطريقة سريه، تعرف المغبش على “البريد” المكلف بإيصال المعاملات من عمال النواحي الى نائب الامام بتعز، وقام بتسليمه رساله الى نائب الامام بتعز باسم رعية الناحية والمساجين، وفي المساء يخبر سعيد عبيد بان الرسالة قد تم ارسالها بسرية تامة.
لم يمضي على تواجد المغبش بديوان الناحية سوى خمسة عشر يوما حتى تم تغيير عامل الناحية واطلاق المساجين بامر من النائب بتعز الذي قام بإبلاغ الامام بالامر واطلعه على ان الناحية قد تتمرد وتنضم الى السلطنات الجنوبية بسبب تصرفات عامل الناحية.
بعد خروجه من سجن الناحية عانى المغبش التشرد وذاق قساوة العيش إنه لا يطمع بالكثير فكل ما يريده هو تحقيق حلمه الوحيد بان يكون له (ديمة) تأويه، او (صبل مريوش) يستظل تحته من حر الشموس، او(جلب) يغمض فيه عيناه وينام مثل بقية الخلق، انه لا يتمنى سوى مكانا صغيرا يكون وطنه وبيته التي يسكنها وتسكنه.
يتوجه المغبش الى صديقه سعيد عبيد الذي وقف الى جانبه هو والكثير من الاهالي وبعض الاعيان، فكان (ذراع الابل) هو المكان الذي حط فيه المغبش رحاله.
في تلك اللحظة التي تسلم المغبش فيها مساحة الارض قبض بيديه على المعول ليضرب به الضربة الاولى على “ذراع الابل” معلنا الشروع بحفر ساس موطنه المنشود وبيته الذي ستجمعه بفتاة احلامه تحت سقف واحد.
استوطن “المغبش” ذراع الابل بعد ان عادت اليه هويته المسلوبة واصبح له موطئ قدم ومساحة ارض صغيرة لتكون وطنه الذي سيبني فيه عش الزوجيه ليعيش بها هو وفتاة احلامه تحت سقف واحد.