سم قنديل البحر
- عبدالكريم الرازحي
أعرف بأن كثيرا منكم كان قد نصحني بعدم الذهاب إلى منزل صديقي الذي قرر الانتحار لكني بعد تردد أقنعت نفسي بالذهاب وذهبت
كنت قد أعتذرت له بشأن الغدا وذهبت للمقيل وعند دخولي الديوان وقع نظري أول ماوقع على مسدس يستلقي فوق الطاولة الموضوعة أمام مجلسه وحين لاحظ بأن نظري يتجه نحو المسدس قال يسألني :
-ماهي في رأيك أفضل طريقة للانتحار ؟
قلت له : لاتسألني عن طُرُق الموت
إسألني عن طُرُق الحياة.
وسألته وأنا اشير إلى المسدس الموضوع أمامه على الطاولة :
- هل مازلت مصمما على الانتحار؟
قال : “طبعا ،مازلت عند قراري لكن لايروح بالك بأننا باانتحر بالمسدس أنا أكره منظر القتل ومنظر الدم “.
وأخذ المسدس من فوق الطاولة وقذف به نحوي وهو يقول لي :
-“هذا هدية مني لك خذه وبُكرة الصباح نلتقي أنا وأنت ونطلع سوق الملح نصطبح كباب وبعد الصبوح نشتري سم. الانتحار بالسم أفضل من الانتحار بالمسدس.
وقال مواصلا حديثه :”في أسرتنا انتحروا إثنين وهم شباب أكثر مني “ - متى حدث هذا؟ (سألته )
قال -وهو يضحك :
-“زماااان قبل أكثر من ثلاثين سنة وأنا طفل
الإثنين انتحروا بالسم وأنا مثلهم قررت انتحر بالسم”
قلت له : زمان ماكانش في غش هذي الأيام العسل مغشوش والسم مغشوش وكل شي مغشوش ولو أنت انتحرت بسم مغشوش سوف تتعذب عذاب شديد من دون أن تموت .
ولأكثر من دقيقة دخل في حالة شرود ومن بعد ضحك ضحكة مدوية وقال :
-” هناك سم يقتل الإنسان بساعته نسيت اسمه لكن ماعيجي الصبح إلا وقد ذكرت ”
وخرج من المكان وعاد بعد خمس دقائق ومعه دفتر مذكرات مسجل فيه أسماء المشاهير الذين انتحروا بالسم، وأسماء الذين انتحروا بشنق أو برمي أنفسهم من شاهق،
وأولئك الذين انتحروا برصاصات مسدساتهم أو بأسلحة أستعاروها من أصدقاء لهم، وحتى الطريقة التقليدية اليابانية في الانتحار ( هاراكيري )كانت مسجلة في دفتر مذكراته ،وفيها سجل نسبة الانتحار في كل دولة وعدد المنتحرين في كل عام ،والرسائل التي تركها بعض المنتحرين .
وفيما رحت أتصفح دفتر مذكراته خرج ثانية وعاد ومعه ثلاثة كتب أحدهما عن فلسفة الانتحار والكتابان الآخران حكايات وقصص مشاهير انتحروا من بينها قصة الأديب الأمريكي ارنست همنجواي
وقال لي بأنه منذ طفولته ومن حين أنتحر إثنان من أسرته وهو يفكر بالانتحار ، ويتابع حالات الانتحار، ويقتني كتبا عن المنتحرين ،ويقرأ قصص انتحارهم ويشعر نحوهم بحب وتعاطف شديدين.
وحين سألته عن ارنست همنجواي وهل قراله شيئا من أعماله !! أجاب بأنه لم يقرأ له شيئا لكنه يعرف بأنه أديب أمريكي مشهور وأنه أنتحر برصاصة أطلقها على نفسه من بندقية صيد .
قال ذلك وضغط على الجرس وحضرت الشغالة فطلب منها أن تحضر له علبة سجائر من مكتبه وبعد إن غادرت قال لي وهو يدخن بشراهة : - “أكيد تعتقد بأننا جبان ومتردد ولن أنتحر “
قلت : أنت لست بالجبان ومؤكد بأنك إنسان نبيل وشجاع ولكن ستكون أكثر نبلا وأكثر شجاعة لو انت أتخذت قرارا بالحياة بدلا من قرار الموت
قال :” الحياة في اليمن فقيرة وأفقر من الموت وكل يوم تزداد فقرا “
وراح يشرح لي كيف أبواب الحياة مغلقة وليس ثمة من أبواب مفتوحة سوى أبواب المقبرة .
وحين أقترحت عليه الهجرة
قال: ” الغربة أقسى من الموت”
قلت :طيب سافر وغير جو
قال : “أنا سافرت كثير وأسافر كلما أشتقت للسفر
أما الآن حتى لونفسي أسافر الرحلة من صنعاء إلى عدن تخليك تكره السفر “
قلت :كلامك صحيح
وعندها أرتخت تقاسيم وجهه وقال لي وهو يضحك :
-أيش رايك ننتحر الاثنين ؟
قلت وأنا أضحك : الظاهر أنك تريد مني أن أنتحر بدلا عنك
قال وقد انزعج من ردي : أنا أمزح معك
قلت : وانا امزح معك
وعندما نهضت للمغادرة أشار إلى المسدس وقال لي :
-خذه هو هديتك
قلت : ليس لدي رغبة في الانتحار ولست بحاجته.
وبعد إن وصلت البيت أتصل يقول لي :
-لاتنسى موعدنا بكرة الصباح نصطبح كباب ومن بعد نروح نشتري السم وقال بانه تذكر أسم السم القاتل
وحين سألته عن اسمه :
قال :سم قنديل البحر