- ضياف البراق
يعبد الله في الخيال، في الوهم، فوق المنبر، ويكفر به في الواقع. الله غير حاضر في قلبه وأفعاله. سلوكه ينطوي على أنانية بشعة.
متواضع في المسجد ومُتكبِّر في الشارع. خشوع رحوم في أوقات الصلاة، قاسٍ متغطرس في بقية الأوقات. بائخ في تفكيره. بائخ بسبب تعصُّبه.
مُسلِم لكنه غير مُسالِم؛ يأكل إخوته!
مُسلِم من حيث الاسم فقط. الإسلام، عنده، أن يؤذي الناس بلسانه ويده، أن يلف أعناقهم ويدور عليهم. بينما الإسلام الحقيقي، كما تعلمون، جميل جدًّا. الإسلام رحمة.
واعظ بارع وسارق ببراعة، وسارق للبراعة والبراءة معًا. أخطر السرق هو سارق العقول والعواطف. سارق الحقيقة أيضًا. الواعظ المحموم استغلالي، قناع إلهائي سريع التقلُّب، صيّاد ماهر وشِباك ممتاز للصيد. الوعظ العاطفي المُتشنِّج وسيلة ناجعة للسيطرة على الأدمغة المرتخية، لالتهامها بسرعة وأريحية.
يطوِّل لحيته ويُقصِّر نظره. لحيته تستحوذ على حريّة عقله وتُعمي ضميره. وعندما يطلق لسانه من على المنبر، يطلق رصاص اللغة على رؤوس المُخالِفين. لسانه طويل ويده أطول.
ثقافته هي معدته. أو محصورة في شهوته.
يستخدم النصوص لنهب الحقوق.
يحفظ نصوص الله ويتناسى حقوق الناس. أو يصادرها حين يشاء.
يبكي على الأيتام والمساكين، يرفع صوته ويسكب دموعه لأجلهم، ثم يصعد إلى المجد الباطل على جراحهم وآلامهم. يرتزق بهم. يزرط صدقاتهم لبطنه. شفّاط دموي. لا تسأله عن مكان الله؛ فالله موجود في البنك، في خزانته البيتية، وليس في السماء ولا في الضمير.
فاعل خير، وقاطع طريق.
وبما أنه واعظ ذو نشأة صوتية منبريّة، لأنه يعتلي المنبر دائمًا، فإنه مُتسلِّط المزاج، سلطوي الطموح والهدف، مُنفصِل عن الواقع، وينظر إلى المُتحرِّر بفوقية؛ إمّا بتكفيره أو باحتقاره. انكبابه الدائم على المنبر، التصاق المُزِمن به، يوهمه بأنه هو الإله. هكذا يتألّه المنحط المعتوه. يصعد إلى فوق، على حساب الغلابى. ساقط في صعوده.
يخطب ضد الفقر، ويحارب الفقراء. يقتل جوعهم بالخُطَب الزائفة، بالكلمات الفارغة يقتلهم. يعجن الدين بالسياسة، والواقع بالخيال، ليبتلعَ السلطة والزمن العربي كله. بهذه الطريقة يعجن كل شيء. أخونا عجّان أصيل على طريق الخير، أو في سبيل الله وحده. خازوق من عسل.
يا شيخ، يا فقيه، اتق الله في نفسك، ارحم الدين، وخلِّ الإنسان العربي يعيش الحياة بكرامة واستقرار. خلِّ الإسلام يزدهر بشكل صحيح، دعه يتنفّس من أنفه الطبيعي لا من أنفك أنت. الإسلام لا يزدهر بالعنف، ولا باللف والدوران والتخريف، بل، قبل كل شيء، يزدهر بالحرية. خذها يا خازوق، وافهمها بسعة صدر.