- كتب: طه العامري
عقدت العزم أن تكون هذه الحلقة مخصصة عن نخب ووجهاء وأعيان تعز ؛ لكن الحديث عن نخب ووجهاء وأعيان وشويخ تعز عملية تشبه السير في حقل مزروع بالألغام وبالتالي فأن أولى مهمة من يسير في هكذا حقل أن يتسلح بمسمار ( السبر ) فإذا ما شعر بوجود اللغم عليه أن يبدأ بإبطاله ونزع الفتيل الصاعق فيه وأن لا يكتفي بنزع الفتيل الصاعق وحسب بل عليه أن يتأكد من أن اللغم غير مفخخ وأن ليس هناك ثمة فتيل صاعق أخر مرتبط باللغم ..؟!
يجزم فقها السياسة أن الحرية الزائدة عن حدها تنقلب وبالا على من يمارسها وأن الوعي الزائد يتساوى في بعض المنعطفات التاريخية مع عدم وجوده ؛ وأن التوازن المجتمعي الكفيل بتحقيق السكينة والاستقرار في أي مجتمع مرهون بتناغم النخب المجتمعية وتكاملها واتساق رؤيتها وقناعتها مع رؤى وقناعات بقية الشرائح المجتمعية.
تعز قضيتها مركبة خاصة ما يتصل بعلاقة نخبها ووجهائها مع بعضهم ومع الجهات المعنية في إدارة شئون المحافظة وسأتحدث هنا عن الجزء الخاص بالمناطق الواقعة تحت إدارة سلطة الإنقاذ أو المجلس السياسي باعتبار أن الحديث عن تعز الكلية فيه من العقد ما يفوق ( عقدة أوديب ؛ ويتجاوز نفسية نيرون لحظة إقدامه على أحراق روما )..؟!
الثقافة الزائدة المجبولة بقدر من النرجسية ربما كانت وراء ما حدث في البلاد وما حدث ويحدث لتعز تحديدا خاصة أن ارتبطت هذه الثقافة بمرحلة تحول تاريخي غاب فيها المثقف الكامل والملتزم بقضايا المجتمع لصالح ( أشباه أو أنصاف المثقفين ) وبما أن نصف المثقف أخطر من الجاهل على واقعه فأن بعض من تسلقوا جدران الوجاهة حملوا ألقاب وجاهية في لحظة تحول استلابي للقيم الاجتماعية ليفرضوا وجاهتهم لدوافع حزبية أو سياسية أو مادية فكانت الحصيلة أن وجدنا المجتمع ليس في تعز بل في كل الخارطة اليمنية يعيش في كنف واجهات نخبوية لا تحمل وأن قدرا بسيطا من ( الحكمة والحصافة ) ولا تعرف معنى الإيثار ونكران الذات إلا فيما ندر ؛ لهذا يصعب الحديث عن نخب لا يجمعها جامع سلبا كان أو إيجابا ؛ نخب ترى نفسها على طريقتها وتحمل من النزوع النرجسي ما يجعلها في حالة مكابرة ورفض للأخر مهما كان هذا الأخر يحمل من النوايا الصادقة والمخلصة الذي يجد نفسه دوما في حالة استهداف من هنا أو هناك وخاصة أن كان في تعز التي تفتقد وبجد لمرجعية جامعة أو رمزية كارزمية قادرة على استقطاب التعزيين حولها ..
لذا وجدت وجها تعز موزعين بين ( العالم الافتراضي ) وبعيدين كليا عن الواقع وبين محايدين يترقبوا كبوات الأخر ويتلذذون بها وبين من تهمشوا بفعل فاعل وبالتالي ذهبوا بعيدا في حالة الانطواء التي يعيشونها منذ زمن وغالبية هؤلاء ينتمون لجذور وجاهية حقيقية في تعز وقد لعب أجدادهم وأباءهم أدوارا نضالية مؤثرة وفاعلة في مسار النضال الوطني ولكنهم تعرضوا للإقصاء والتهميش لحاجة الأنظمة المتلاحقة التي ابتكرت وجاهات جديدة تليق بحاجتها وتلبي رغبتها ..؟!!
المثقفين بدورهم أو من يمكن احتسابهم في هذا الكشف الهلامي بدوره يتوزعون على خارطة الوجهاء والفعاليات التي سبق الإعلان عن وفاتها يوم فشلت في احتوى الازمة أو بالأصح يوم فشلت في استشراف تبعات ونتائج الأزمة التي هرولوا نحوها يوم تفجرها كلا لدوافعه الخاصة وقناعته دون أن يكلفوا أنفسهم التوقف والتفكير المنطقي بالمصلحة الكلية للمجتمع .. لذا فأن من الصعوبة بمكان أن تجمع ثلاثة أفراد من تعز على رأي وموقف موحد وأن حدث فأن أحدهما أو بعضهما سينقلب على الرأي المتفق عليه بعد دقائق من افتراقهما..؟!!
مشكلة تعز الكلية أو الجزئية ليست مع العامة ولا بسببهم ولا منهم ولكن مشكلة تعز مع نخبها ووجهائها ومثقفيها وبسببهم كانت الأزمة وتراكمت وانشطرت تعز كما أنشطرت نفوس أبنائها .. ما يتصل بتعز شطر الحوبان نجد أن ( ثقافة الجندي ) لم تسعفه في تحقيق التوازن أو التقارب الوجاهي والثقافي والحال ينطبق على الشيخ أمين البحر الذي لم تسعفه هو الاخر وجاهته المكتسبة ومكانته الاجتماعية في تقريب وجهات النظر فيما ثورية الأستاذ سليم مغلس لا زلت على المحك وتحت المجهر ولا يزل الرجل محل ترحيب (مبهم )من قبل البعض ورفض (مبطن ) من قبل البعض الاخر وترقب وانتظار من قبل طرف مراقب مكتفي بالتأمل عن بعد ..؟!!
بيد أن كل هذه السلوكيات تعود لمراحل متراكمة أو جدت ميادين التنافس الهلامية على النفوذ والوجاهة وتسيد المشهد ونزوع حد التماهي النرجسي تستوطن كل شخص من هؤلاء بأنه الأفضل والأجدر والمخلص وصاحب الحكمة ومالك مفاتيح الحل والعقد وأن الأخر مجرد تابع أو مسير او ضعيف لا حول له ولا قوة ..؟!!
أخرون يرون نجاح المحافظ من عدمه مرهون بالقرب منهم وأن على المحافظ إذا أراد النجاح فعليه أن يتقرب منهم ويستمع وينفذ كل ما يسمعه منهم ..؟!!
متجاهلين صلاحيات المحافظ ودوره ورسالته ورؤيته ومشروعه ؛ لذا نرى مشكلة تعز ترتبط ارتباط مباشر بالمشاريع الخاصة للوجهاء وبانتهازية النخب المثقفة ونرجسية تجمع الكل في بوتقتها وهذه من أهم الأسباب التي تفشل وتحبط أي عمل إيجابي في المحافظة وهو العمل الذي يحتاج لتكاتف الجهود وتناغمها مع راس السلطة المحلية ؛ الذي يحتاج لدعم الجميع وإيثارهم ووحدة مواقفهم ليس لأجله بل لأجل المحافظة وسكانها واستقرارهم وتحقيق تطلعاتهم في السكينة والتنمية والخدمات الاجتماعية الأساسية ..
شخصيا أتمنى على وجهاء واعيان تعز ومثقفيها في الجزء المستهدف أن يتخلوا عن كل الحسابات الخاصة وأن لهذه الفترة حتى يتم تحقيق السكينة والاستقرار للمحافظة فإذا ما أنفرجت الأوضاع فليبحثوا عما يحتاجون ؛ لكن اليوم تعز تناشدهم نبذ الخلافات والحساسيات والتنافس على الوجاهات والنفوذ ومن يكون في مقدمة المشهد ومن في منتصفه ؛ نعم ليكون الجميع في تعز اليوم عونا للمحافظ وأن أخطاء في بعض القرارات فليستوعب الجميع الخطاء ويعملوا على تصويبه بهدوء وبعمل جماعي حقيقي وتكافلي نموذجي ؛ فتعز أعطت الكل مكانتهم ورمزيتهم والوقت حان ليرد هؤلاء لتعز بعض مما اعطيتهم ..هناك من رد الجميل لتعز بتدميرها وتشطيرها وتشريد أهلها وليس مطلوبا الاقتداء بهؤلاء وأن بطريقة أكثر سهولة بل المطلوب أن يكمل البعض جميلهم وهم لم يتسببوا بعمل كعمل البعض الاخر بأن يتوحدوا ويوحدوا جهودهم ويصطفوا لتحقيق ما يمكن تحقيقه لهذا الجزء من المحافظة ليكون نموذجا للتعايش والتألف والتكافل والتكامل المجتمعي .. لا أن يجندوا أنفسهم لاصطياد وترقب الأخطاء ومن ثم تسويقها وإثارتها لدوافع وأهداف بعيدة عن الحقيقة بل وبعيدة حتى عن القضايا المثارة نفسها ..؟!!
ختاما لن أقول يتبع بل أقول إلى اللقاء في مواضيع وقضايا أخرى ..دمتم بخير