- كتب: زكي حاشد
كورونا تُلقن العالم درسًا في التواضع!
قبل سنتين، صدر كتاب التنوير الآن والذي أوصى بيل غيتس النّاس بقراءته، كان المؤلف ستيفن (Steven Pinker) متفائلا جدا إذ يقول إنّنا نعيش اليوم أفضل حالة بشرية، والسبب في ذلك أنّنا استطعنا التغلب على الكثير من الأمراض والمجاعات، ووصلنا بالإنسان إلى مستوى من الوعي والتواصل والرخاء والحالة الإنسانيّة الراقيّة لدرجة غير مسبوقة تاريخيًا، وقد يكون ذلك صحيحًا في كثيرٍ من أبعاده ولكنه ليس صحيحًا بالمُطلق!
لقد كشف فيروس كورونا عن عجزٍ عالميٍّ غير متوقع في محاربته كوباءٍ وقد ظنت البشرية أنّها قد تجاوزته، لأنّنا احتفلنا جميعا منذ عقودٍ من الزمن بأنّ الإنسان قد انتصر، واستطاع أن يهزم الأمراض والأوبئة والطواعين، ووضع لها حدًا بل وأزاحها من قاموسه، أما فكرة الوباء العالميّ الذي يجتاحُ البشريّة فكان يتنبأ بها بعض المتحدثين مثل بيل غيتس وغيره.
يوجد تيار تفاؤليّ خاصةً عند أولئك الذين يفاخرون حتى اليقين بعالم العلم والتكنولوجيا، لكن تبيّن لنا أنّ البيولوجيا ما زالت تعود مرة أخرى لكي تثبت عجزنا وضعفنا، وأن الإنسان كما وصفه الله سبحانه وتعالى خُلِق ضعيفًا، ويقف عاجزًا أمام فيروس لا يُمكن أن يُرى بالعين المُجردة.
هذه الحالة من العَجز لا بُد أن نُركز عليها قليلًا، لا لكي نجلد ذواتنا، ولكن لأن كلّ حدثٍ كبير يحمل عبرة كبرى للإنسان، يزداد حجمها وعمقها مع زيادة أهميّة الواقعة أو الابتلاء.
يحمل واقع اليوم درسا مهما جدا وضروريّا، إن لم نمعن النظر فيه فإننا سنقع في حومة عمى حضاريّ لا ينبغي للعاقل أن يقع فيه، ونستحضر للآية الكريمة التي تُلح علينا دومًا، نقرؤها ولكن لا نعي أشكال وقوعها إلا عندما تنجلي أمامنا بشكل واضح كما هو الحال اليوم؛ (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس:24]
ظن الإنسان في السنوات الماضية أنّه قادر على الأرض، مهيمن عليها، وقد تنبأ “يوال هاراري” بأنّ الإنسان الجديد ( الهوموديوس) هو متألهٌ، باعتبار أنه استطاع أن يهزم كل قواعد الضعف التي أحاطت بالبشرية، وأنّه قد اقترب أكثر من أي وقتٍ مضى نحو الخلود التام، لكن نكتشف بعد فترة قصيرة جدا من هذه النزعة التي اعتنقها عدد كبير من العلماءِ الغربيين أن هذا ليس إلّا “أسطورة”، فضعف الإنسان حقيقةٌ وجودية كامنةٌ فيه بشكل أصيلٍ لا طارئ.
لذلك ينبغي أن يعتبر الجميع بهذا الذي قد وقع، اعتبارًا نستفيد منه، لأنّ الله لم يخلق شرٍا مطلقا، وأنه مع كل عسرٍ يسرين، وينبغي أن نتيقن من ضعفنا ونتوكل على الله سبحانه وتعالى ونواصل حياتنا على اعتبار أنّنا كائناتٍ بشريّة لا آلهةً ولا أنصاف آلهة، ولا قادرين حتى على فهمِ كثيرٍ من الأقدار التي تجتاح أحوالنا وتُغيّر من معادلات وجودنا وبقائنا، نحن نشهد الآن أكبر درسٍ في التواضع للبشرية التي ظنت أنّها قد وصلت حد القدرة الكلية وأنها تجاوزت الضعف الإنساني الذي عانى منه الأسلاف..!