- ضياف البراق
دعوني الليلةَ أتناول قاتي (الهمداني) الجيد، اللذيذ جدًّا، بمزاجٍ لائق، مُستمِعًا بكل شغف لأغاني فنّاننا الأصيل الجميل، فؤاد الكبسي، أغانيه القديمة طبعًا. وأحلى من طعم هذا القات، ومن طعم صوت الكبسي، طَعْم سيجارتي الرديئة (ماك) العزيزة كثيرًا على قلبي المنهوك بكثرة الآلام والهموم. لم أنتهِ بعدُ من قراءة «عشتُ لأروي»، لصاحبه الروائي العظيم، عالميًا، ماركيز، لكنني قريبًا سأخلص منه بالكامل، ثم سأنتقل بكل سرور إلى كتاب «السوريالية والصوفية»، وهو من تأليف المُفكِّر الحداثي السوري المثير دائمًا للجدل، أدونيس، هذا المتمرّد الخلاّق الخطير الذي قال عنه المفكر الفلسطيني الكبير، إدوارد سعيد، بأنه “الشاعر العربي العالمي الأول”، ثُمَّ قد أنتقل بروحٍ جديدة إلى كتاب «دفاع عن المثقفين» للفيلسوف الوجودي المشهور، سارتر، وهو من ترجمة الأديب السوري الواسع، الناقد الفذ، جورج طرابيشي.. وهكذا سأواصل مشواري القِرائي على طريق الكتب المتنوِّعة الواسعة حتى نهايتي، بلا استسلامٍ أو ملل، لأن حياتي دون الثقافة تافهة بلا حدود.
إنني، يا صاحبي، لا أفعل شيئًا في النهار سوى العبث بوقتي حتى يعانقني المساء، لأني أعشق الليل من داخل روحي، إني أسهره بكامله، فيه أتنفّس جيدًا، أقرأ وأكتب وأسكر بهواء صنعاء النقي رغم كل شيء، وأسافر أحيانًا مع الموسيقى إلى عوالمَ صوفية جديدة أو جمالية كثيرة، وأحيانًا لا أفعل شيئًا غير تعاطي القات والتدخين والفسبكة. بالتأكيد، الليل يُزهرني، يُضيئني بظلامه اللطيف، يجعلني صوفيًا ملائكيًا، أو مجنونًا يلهث وحيدًا خارج أمراض التاريخ، وأمّا النهار فيُفسِد مزاجي، أو يُعمْي قلبي عن طريق الحياة، أنا الذي صرتُ منذُ أعوام معدودة أكره اليقظة الحادّة المُزعِجة ومخالطة الناس. الليل ليس مزعِجًا ولا ثقيلًا، كالنهار، والحرية عندي لا تُعاش ولا تتناغم معها الروح إلا ليلًا، فقط.
ها أنا، رغم فوضى جميع الأشياء المنبعِثة من حولي، أراقِص نفسي شيئًا فشيئًا، وأمازحها بِحُبٍّ زائف؛ لإراحة مزاجي الكئيب، قدْرَ إمكاني، وأتابع من شاشة هاتفي – كعادتي المُمِلة – أتابع الأحداث المحلية والعالمية، السيئة منها والجيدة معًا، لاعنًا بشدة هذا الوحش المجهري اللعين، الكورونا الذي أرعب نفوسَ الناس أجمع، وكم قتل منهم وكم أصاب، وما زال ينتشر بكل جنون لاستكمال إغلاق بقية نوافذ الحياة في كل بلدان هذا العالم الرخيص يومًا بعد آخر، والموبوء منذ آدم. ومع ذلك، فإني لستُ بخائف على حياتي من كورونا الملعون، فقد كانت أمي (لروحها السلام) تقول لي وأنا صغير: اللي يخاف من العفريت يطلع له! ولكن، يا أمي الحبيبة، أنا خائف اليومَ من استمرار هذه الحرب إلى آخر لحظة من عمري. أنا خائف، أيضًا، من الأنانيين الذين لا يخافون على حياة غيرهم من أي شر.
عمومًا، الحياة حلوة، شئنا أم أبينا، واللي يخاف من العفريت يطلع له، والخوف من العغريت أخطر من العفريت نفسه، والتضرُّع إلى الله وحده لا يكفي، وإذن لا تبالوا الآن إلا بحماية صحتكم، لا تتعاملوا مع كورونا باستهتار مزاجيّ أو بغباوة عاطفية، فالتزموا، جيدًا، بأخذ الوقاية اللازمة لتجنُّب شر الفيروس المتنامي الفتّاك، لا للتأخير عن ذلك، واتركوا الأنانية على جنب واتحدوا جميعًا ضده؛ لأنه لا يرحم أحدًا، وبخاصة – نحن اليمنيين – فلا دولة لنا ولا حتى نصف دولة، ولا نملك مناعة جيدة ولا مستلزمات صحية أولية في البيوت، فلنكن حريصين على حياتنا الهشّة المعرّضة للمخاطر، واصبروا ولا تخافوا، عملًا بقول أبي تراب: الجزع عند المصيبة يزيدها، والصبر عليها يبيدها.