- طاهر شمسان
الغرب موطن الحداثة، والشرق-ونحن جزء منه-موطن صدمة الحداثة. في الغرب انتصر الإنسان الصانع على الإنسان الساحر، وفي الشرق مازال الإنسان الساحر يخنق الإنسان الصانع. في الغرب انتصر الانسان الدنيوي على الانسان الديني، وفي الشرق مازال الانسان الديني يحتكر الكلام ومازال كلام غيره بدعة وضلالة. في الغرب لم يعد الدين يقدم إطارات معرفية وإنما إيمانية واعتقادية فقط، ولهذا نرى الغربيين يخرجون من الدين معرفيا دون أن يخرجوا عليه إيمانيا بالضرورة. أما في الشرق فمازال الدين هو أهم مصادر المعرفة ومازال الناس يسمون رجال الدين علماء، ومن يعترض على هذه التسمية ينظر إليه على أنه منكر لرسالة الدين الشاملة لمختلف جوانب الحياة وأنه يريد للدين أن يتقوقع في الجامع. والحقيقة أن رجال الدين يرادفون بين أنفسهم وبين الدين، وأي محاولة لتحرير الفضاء العام من سلطتهم يفسرونها على أنها ضد الدين. ولكن ما هي صدمة الحداثة؟ وفقا لجورج طرابيشي، للحداثة أربع صدمات هي:
1-الصدمة الكسمولوجية:
كان الإنسان يعتقد أن الأرض مركز الكون، وبما أن الله خلقه في هذا المكان فإنه بالضرورة المخلوق المركزي بألف ولام التعريف، والكون كله وما فيه من مخلوقات وظواهر في خدمته (وسخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا + والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة+ امشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور + هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب). لكن السيد جاليله جاء وهدم كليا الاعتقاد القائل بأن الأرض مركز الكون، وأكد أنها ليست إلا شذرة صغيرة في كون لا نهاية له. وبهذه الطريقة صدم جاليله غرور ونرجسية الإنسان الديني.
2-الصدمة البيولوجية:
كان الانسان يعتقد أنه خلافا لكل الحيوانات مخلوق على صورة الله. ولكن السيد دارون جاء وهدم هذا الاعتقاد عندما أكد أن للإنسان أصلاً حيوانياً وأنه يلتقي مع القردة في سلف مشترك. وبهذه الطريقة صدم دارون نرجسية الإنسان الديني الذي طالما اعتقد أنه مخلوق على صورة الله وأنه منذ آدم إلى اليوم محتفظ بهيئته الأولى ولم يتعرض لأي طفرات بيولوجية.
3-الصدمة النفسية:
كان الإنسان يعتقد أنه يعرف كل شيء. ولكن السيد فرويد جاء وأكد أن الإنسان واقع في قبضة الأوهام وأنه لا يعرف حتى نفسه، وأن ما يتحكم بالإنسان ليس وعيه وإنما لا وعيه ولا شعوره.
4-الصدمة التي أحدثها الإنسان الغربي للإنسان الشرقي:
فخلال الخمسمائة سنة الأخيرة حقق الإنسان الغربي تقدما ساحقا أوقعنا في صدمة نرجسية جديدة نحن الذين لا ننتمي إلى هذا الغرب. وملخص هذه الصدمة أننا واقعون بين ماض لن يعود ومستقبل لا نستطيع اللحاق به. في الماضي استطعنا أن نصنع حضارة عالمية إلى جانب حضارات عالمية أخرى، ولكن بين الحضارات العالمية في الماضي لم تستطع أي حضارة أن تكون هي الوحيدة عالميا، بينما الحضارة الغربية المعاصرة هي اليوم الحضارة العالمية الوحيدة.