- كتب: عيبان السامعي
إذا كانت الحرب الجارية قد مثلت وسيلة مثلى للوكلاء المحليين للإثراء واحتياز مصالح غير مشروعة وتعزيز نفوذهم على حساب مصالح الشعب ومعيشته وأمنه ونسيجه الاجتماعي وعلى حساب مستقبل الأجيال القادمة.
فإن المفارقة المضحكة والمبكية في آن أن الحرب تتحول لدى نفر من اليساريين (أو بالأصح “اليسراويين”) إلى عقيدة راسخة, وغاية في حد ذاتها!
هؤلاء النفر مأخوذين بهوس “العنف الثوري” على الطريقة التروتسكية, ويعتبرون “الحرب” هي التعبير العملي عن “الثورة الدائمة”, وبالمقابل يُسفِّهون العمل السياسي والمدني ويرون فيه نهج الضعفاء!
أما الحديث عن السلام لدى هؤلاء فهو بمثابة خيانة تستوجب “محاكمة ثورية” لأصحابها!
هذا الموقف المتطرف يجعل هؤلاء لا يختلفون عن أكثر العناصر السلفية تشدداً بوعي أو بدونه, ليس ذلك وحسب, بل ويخدمون من حيث أدركوا أم لم يدركوا الانقلاب الرجعي الذين يدّعون أنهم يناهضونه بلا هوادة. فالتطرف يخدم التطرف المضاد.
يتعامى هؤلاء النفر عن الواقع الموضوعي, ويصرّون بعناد زائف عن النظر في المآلات الكارثية للحرب وما سببته في نشوء أسوأ أزمة انسانية على مستوى العالم بحسب تقارير صادرة عن منظمات إنسانية.
لقد أصبحت الحرب وسيلة لهندسة السياسة والمجتمع في البلاد ترسمها دول خارجية وأجهزة مخابرات اقليمية وعالمية, ووسيلة مثلى للتربح والإثراء وتفتيت الكيان الوطني إلى دويلات وإمارات مرتبطة بالخارج.
ووفرّت الحرب مناخاً ملائماً لتنامي الجماعات المتطرفة واللصوصية السياسية, كما وفرت غطاءً لممارسة صور شتى من الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان: القتل, والإعدامات, والتعذيب, والاخفاء القسري, وإنشاء سجون سرية, وسياسات التجويع والإفقار, والنهب, …إلخ.
إن هذا النفر من اليسراويين لا يدخرون جهداً في تمجيد الحرب وإضفاء طابع القداسة عليها, فالحرب بالنسبة لهم مسألة حتمية لا مفر منها!
يتخذون موقفاً سكونياً من الأحداث ولا يرون الواقع إلا بما تعكسه رغائبهم وطبيعة سيكولوجيتهم المغامرة, ويعوزهم الخيال السياسي بما هو القدرة الإبداعية على خلق أشكال نضالية جديدة تتناسب وظروف الواقع ومتغيراته.