- محمود ياسين
تحبونني حزينا ورثائيا
أعرف هذا
بارع وصقيل في الحزن ، وقريب من القلب
وطني أيضا
نبي وشهيد
وأنا فقط إنسان ، إنسان يرفض أن يموت
فاتن هو النص المقدم من كبد الشاعر ومن حلقه وقد تجمعت في روحه مثل غصة حياة وجدت ملاذها آخر المطاف في الاستسلام للقدر
لكنني مبتهج وبدون عذابات جذابة الليلة .
في إب ويخطر لي أنه وفي ديسمبر تجمع دفئ درب التبانة في صنعاء ، أشتاقها حد الذهان والهذيان
أشتاق درجات عمارة الشتوي ، وأشتاق صوت هذا المؤجر الهمداني وهو يتصل بعد ستة أشهر ويتحدث محرجا ويعتذر كونه أقلق عطلتك في إب .
أشتاق بائعة الملوج في شارع مازدا ، تلك البلقيس وقد فقدت رعيتها فجلست على الرصيف وحدها تعبد الشمس .
أشتاق مقر اللجنة الدائمة وبوابة الشيخ عبد الله ومقاوتة حرف سفيان ، وأشتاق السائلة والمرور أمام بقالة البركة وصاحبها ينتف شنبه ولم يعد في الأرفف غير الملح وبعض الكراتين الفارغة ، لا أحب المفلسين بقدر أنا مولع بالطريقة التي ينشب بها اليمني مخالبه في المكان متمترسا في ركن بيت لا يجب هجرانه حتى لا يتصدع
الأمكنة تتداعى وتتقوض بالهجران
في حقبة الحوثي نحيا جيدا ، هل أن هذا مربك وينذر بأعراض مرض وطني ؟ حسنا : يمكنكم تفسير الأمر بتلك الحساسية العاطفية حيث تأخذ أنماط الحياة شكل التهمة مالم تجنح القنوط ورثاء النهايات .
البيوت التي نحب لم تهاجر والشوارع ووعود مساءات صنعاء أيضا ، ولو تدرون غواية وعود صنعاء ، المدينة وهي تتحول في المساء لحالة سخاء متفهم وحميم حد الذهول . تقمصت المدينة شخصية امرأة ناضجة في الأربعين ،تومئ لك أن ” لا تتعجل ” سأمنحك ملعنة وعيك الباطن بسخاء .
ياللخيانة إذ تكتب أنك سعيد في حقبة الحوثي وانك قد أنجزت أكثر من رواية وعشقت كل نساء الكون ، ويفترض بوطنيتك البكاء والجلوس في ركن مساءات اليمن مقرفصا وقد اكتهلت في السنوات السبع وكأنك بقرة عجفاء تنتظر أن تلتهمها رؤيا ونبوءة ،
لسنا على مايرام ، ثمة هواجس وسجناء ولا رواتب ولا ضمانات قاطعة غير أن إرادة الحياة هي الضمان ، والهلاك في نواة اليمن يبدو حياة لائقة مقارنة بتلك الهبات المتفضلة الشفوقة التي تقدمها المنافي .
لا مرافعات بعد بشأن الأفضل منا والصميم والنزيه الخ ، هو فقط شكل من الإحماء ، ونزوع غريزي لوضع مسافة بين الكائن وحافة المقبرة
يالي من مبتهج الليلة ، وكم أنني مغتبط بالنوايا الجيدة بيني وبين التاريخ وبيني وبين القدر
القدر وهو يهمس لي : دع للدم أن يتدفق في اوردتك ، بلادك لن تموت ، حبيبتك تريدك قويا ودنياك أكثر من أن تلتهمها الأحداث
الآن رفقة جوليا بطرس ، الفلسطينية في غمرة الحشد والمدرجات ترتج على إيقاع الطبول ، وبحشرجة جماعية ومايشبه ضراوة الحياة تغني : نرفض نحنا نموت .
هل نجرح عاطفة منفاكم إذ نتشبث بحياتنا ونفاقمها ونوقدها ونوقظها ونقضمها بنهم مزيج من استمانة الحياة وقد اختلط الدم بالشبق بالقات بالتراب ؟
هذا الذي حدث ، ربما بإيحاء من مزاج زوربا وهو يرقص على الخرائب وربما أن هذا العنفوان حياتنا الأخيرة في مقاومة الشيب والركون للرثاء ، وربما هي تلك الغلمة لكائن يتفجر حياة عنيدة أمام تحديقات الموت .
في إب شارعين وزحام وفي الليل ترسل صنعاء قبلاتها من بين غيوم وصقيع ديسمبر .
حسنا : قادمون يا صنعاء ، ياعاصمة الجمهورية اليمنية ، أيها المدينة التحدي ، يا جملة الشاعر الملاحق الأخيرة :
على الروح
أن تجد الروح في روحها
أو تموت هنا .





