- كتب: محمد ناجي أحمد
بالنسبة للحمدي كان ذكيا ومثقفا وطموحا و له تجربة سياسية ممتدة من حركة القوميين العرب والحزب الديمقراطي وبالتالي فهو من وجهة نظري كان له مشروعه الوطني وتعامل مع الناصريين من خلال احتياجه لتنظيم يساعده في التعبئة الشعبية والتحشيد الجماهيري لعملية التغيير، والمشاركة التطوعية في لجان التصحيح المالي والإداري والحركة التعاونية والحركة الكشفية والتعليمية والشبابية والتنموية بشكل عام ، والتنظيم الناصري كان تنظيما شابا في تجربته ويبحث عن القائد …
محمد سعيد ظافر الذي قدمه للعمل في مكتب الرئاسة كان التنظيم وليس عبد العزيز عبد الغني كما قد يعتقد البعض ، فعلاقته بعبد العزيز عبد الغني تقوت بعد اغتيال الحمدي …
لكن بالإجمال محمد سعيد ظافر في كتابيه عن حركة 13يونيو الذي سبق ان كتبت عنه عدة حلقات او في هذا الكتاب كان يطرح بمصداقية ، بل إن ما طرحته في دراسة لي عن كتاب قادري أحمد حيدر(نشأة الاحزاب القومية) في اليمن، وذكرته في الحلقة الثانية لقراءتي النقدية، وقد اعتمدت فيه على شهادة ورواية من الأخ الاستاذ عبد الرحيم المسني خصني بها ربما عام 2013 ونشرتها في مقالي سابق الذكر، وأوردتها في الحلقة الثانية- وقد جدت كتاب محمد سعيد ظافر الذي طبعه عام 2020 بعنوان (علاقة الرئيس إبراهيم الحمدي بالتنظيم الناصري في اليمن) يتطابق مع رواية عبد الرحيم المسني …
بشكل عام محمد سعيد لم يتواطأ بالميل لسلطة ما بعد انقلاب 15اكتوبر 1978م، ولكنه تعامل معها من موقعه كتكنوقراط، وساعدته علاقته مع الأستاذ المرحوم عبد العزيز عبد الغني على أن يظل في موقعه التكنوقراطي، وكذلك صمته وتجميد نشاطه الحزبي خلال الثمانينات وسنوات من التسعينيات…
الذي قدم محمد سعيد ظافر للعمل في مكتب الرئاسة هو التنظيم الناصري من خلال عبد السلام محمد مقبل…
بالتأكيد إن كل كتابة من الذاكرة يكون فيها قدر من اللبس أو التوهم أو الانحياز أو الفقد ، لكنها تظل خطوات مهمة في التدوين والدراسة والتحليل والاستقراء والاستنباط ، وتعد عملا نضاليا ثوريا في مواجهة تجريف الذاكرة، وفي مواجهة التواطؤ عن طريق النسيان وقصدية الصمت لدى البعض!…
هناك ملاحظة ملفتة للانتباه وهي أن الطابع العام للحركة السياسية في عهد الحمدي كان شبابيا سواء قيادة الحمدي وحركة 13يونيو أو قيادة الناصريين أو الحزب الديمقراطي أو حزب العمل أو الطليعة الشعبية الخ….على الأغلب كانوا في العشرينيات من عمرهم والقليل منهم في بداية الثلاثينيات …
تواصلت مع عدد الأخوة الذين وردت أسماؤهم ضمن عضوية المؤتمر العام الخامس ، وكان تأكيدهم لمصداقية ما طرحه الاخ محمد سعيد ظافر في كتابيه عن حركة 13 يونيو وعن علاقة الرئيس الحمدي بالتنظيم الناصري، مع إشارة بعضهم إلى وجود لبس أو نسيان أو قصور هنا أو هناك ، ومن ذلك عند تواصلي مع الأخ العزيز والمناضل القدير الأستاذ عبد الرحيم عبد الملك المسني بخصوص عضويته في المؤتمر العام الخامس للتنظيم الناصري، فرد عليَّ بالرسالة التالية:
“أنا اتابع ما تسطره اناملك المباركة
عبر الفيس بوك او عبر بعض المجموعات
كم أنا سعيد عندما أطالع ما تكتب،
فانت الاستاذ والاديب والكاتب والناقد والصحفي
الانسان النقي الباحث عن المعلومة المعبر عنها بالقلم ،نشأت في بيئة ووسط يعظم العلم والكلمة والعمل ،ألف رحمة على والدك ورفاق دربه ، لأنك الأخ والرفيق المناضل الانسان الذي ظل واقفا صلبا لم يهن او تخور قواه ،كما سلك البعض ، ها أنت تحمل القلم كسلاح لو يعي دعاة الجهل ماله من قوة وتأثير لعرفوا أن القلم والكلمة سلاح اقوى من الرصاص
لذا انا سعيد بمتابعة ما تكتب.
اخي محمد
قرأت بعض مما كتبه الاخ الاستاذ محمد سعيد ظافر
في الكتاب الذي اصدره أخيرا وتابعت قراءتك للكتاب.
الجهد الذي بذل من قبل الاخ محمد سعيد ومنك ينبغي أن تشكرا عليه،
هو جزء من التوثيق لمرحلة مهمة ،ما زالت الكثير من المعلومات غائبة.
ليلة أمس قرأت حلقة نشرتها ،وأود التوضيح لما ورد أني كنت ممن حضر المؤتمر العام الخامس الذي عقد بالحديدة ،وحضره الأخ الشهيد ابراهيم الحمدي.
الحقيقة أنا لم أحضر هذا المؤتمر ،وإن كنت حينها متواجدا في الحديدة وساكنا في نفس المنزل الذي عقد فيه المؤتمر منزل الاخ عبد العزيز سلطان المنصوب ، كنت مع إخوة في مهام لوجستية لكن لست عضوا في المؤتمر.
وفي ١ مايو انهى المؤتمر اعماله وانتقل الأخ الشهيد إبراهيم الحمدي إلى مدينة باجل لحضور احتفال بعيد العمال…
ارجو تصحيح المعلومة.
لك مني جزيل الشكر”…
إزاحة انقلاب 5نوفمبر 1967 لمدة ثلاث سنوات واربعة أشهر ساعد على تخليق اليسار حركيا وتنظيم نفسه نحو التخطيط لأخذ السلطة، لكن اغتيال الحمدي شكل اغتيالا لتنظيمات اليسار التي تم ضربها جميعا، سواء من تحرك عسكريا كالتنظيم الناصري أومن ظل يخطط للانقلاب كالحزب الديمقراطي الثوري اليمني…
ومع ضرب اليسار الشاب استعادت قوى خمر مواقعها وجمهوريتها المشيخية برؤوسها العسكرية والمشيخية والدينية والتجارية…
يرى الأستاذ عبد الله سلام الحكيمي في مقالة تضمنها هذا الكتاب، وقد نشره بمناسبة الذكرى(25) لحركة 13يونيو التصحيحية :” إن كلمة (الناصرية) ومصطلح( ناصري) كان من شبه المحرم استخدامه أو اعتماده كتسمية وصفة للتنظيم القومي:(الطليعة العربية) أو فروعه أو أعضائه، وذلك لأن جمال عبد الناصر صرح أكثر من مرة: أن كلمة (ناصرية) أطلقها الاستعمار لتشويه حركة الثورة العربية والقومية ، وحصرها باسم شخص” ص44-45-تطور العلاقة بين الرئيس /إبراهيم الحمدي والتنظيم الناصري في اليمن- محمد سعيد ظافر-2020.
أتذكر أنني في عام 1991م كنت أطرح أثناء المناقشات العامة داخل مقر فرع التنظيم بـ(تعز) لمشروع البرنامج السياسي للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، الذي تم تقديمه للمؤتمر الوطني العام الثامن في نوفمبر 1993م- كنت أطرح أن تسمية التنظيم بإحالته ونسبته لشخص مسألة معيبة للتنظيم ، بل وتُسيء إلى الفكرة التي يحملها القوميون، فالقومية العربية لم تنشأ في منطلقاتها وأسسها وغاياتها من ضيق الأفراد وتاريخية وجودهم الذاتي، وإنما نتجت من صراع ومحددات وجودية متجذرة في حاجات وأهداف وغايات الأمة ، وسعة أفقها وطموحاتها الإنسانية، وتسمية التنظيم بنسبته إلى الشخص تضييق لأفق الأمة ومسارها التاريخي في ذاتية تميت الفكرة ولا تخدمها . وكانت الملاحظة الثانية تتعلق باستخدام مصطلح(التعددية السياسية) وليس(التعددية الحزبية) ،واستعمال اسم (تنظيم) وليس (حزب) لكن قيادة التنظيم في تسعينيات القرن العشرين كانت تنحو باتجاه استثمار الاسم، طالما هناك ضبابية سببها غياب القيادة المبدعة، والجدلية في فكرها مع حركة الزمن والأحداث والتحديات والمتغيرات.
فقد اعتمدت قيادة التنظيم آنذاك في برنامجها السياسي للتنظيم الوحدوي الناصري على الرؤية التي قدمها عيسى محمد سيف للمؤتمر الشعبي العام ، الذي ظل الإعداد له من 9فبراير 1977 وإلى 11اكتوبر 1977، والمزمع عقد مؤتمره العام في مدينة الحديدة، فقد كان قوام المشاركين 13ألف ثم تم تعديل لائحة المؤتمر ليكون العدد ما بين 2500-3000مشاركا، نظرا لعدم وجود البنية التحتية من فنادق وخدمات والتي تتسع لذلك العدد الكبير من المندوبين. بحسب ما اورده المؤلف في كتابه (حركة 13يونيو التصحيحية…)ص112.
“وبعد استشهاد الرئيس الحمدي في 11-اكتوبر 1977م أصبح هذا البرنامج هو البرنامج السياسي المرحلي لجبهة 13يونيو للقوى الشعبية، وعندما قام التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري بإعداد برنامجه السياسي المقدم للمؤتمر الوطني العام الثامن في نوفمبر 1993، كانت هذه الوثيقة هي أحد المصادر الرئيسية للبرنامج”ص112-حركة 13يونيو التصحيحية 1974م ودور الرئيس إبراهيم الحمدي في تأسيس وبناء الدولة المدنية الحديثة –محمد سعيد ظافر-ط1-2020.
كان الإصرار على تسمية التنظيم بإحالته إلى الشخص قرارا لا يقبل التغيير ولا المناقشة، حتى تصبح المشاريع الفكرية والتنظيمية مجرد أفكار دكاكينية يستفيد منها الأشخاص ، لا استنهاض لدور التنظيم ومسئوليته في التغيير والتفاعل الخلاق مع المستجدات‘ استلهاما لمسار الفكر القومي ، ولتجربة جمال عبد الناصر ، الذي كان يقول : إننا ننهمك في الواقع بحثا عن النظريات…
شخصنة التنظيم وخنق الفكرة خطوة أساسية في تحويله إلى ملكية خاصة ، والاستفادة من ذلك في العلاقات الخارجية للتنظيم ، وفي الاستثمارات التي تحولت إلى شخصية مثلها مثل شخصنة الفكرة، وفي المحاصصات في الوظائف العليا مع النظام الحاكم، كانت تذهب إلى شخص أو شخصين أو ثلاثة ، استمر النظام الحاكم التواصل معها ، واعتمادها في المحاصصات دون التعامل مع تنظيم يفترض به أن يكون مؤسسيا لا مشخصنا!
نشط الناصريون في الداخل في المعسكرات من خلال المحاضرات المؤيدة لحركة 13يونيو ، وقائدها إبراهيم الحمدي، ومن خلال المؤتمرات القبلية ، بغرض تحشيد التأييد الشعبي، وهو ما ذكره في هذا الكتاب، في مقالته آنفة الذكر، الأستاذ عبد الله سلام الحكيمي.ص35-العلاقة بين الرئيس إبراهيم الحمدي والتنظيم الناصري في اليمن-محمد سعيد ظافر-2020.
يشير الأستاذ عبد الله سلام الحكيمي في مقالته آنفة الذكر أن عبء تعزيز الثلاث مسارات التي مرت بها علاقة الناصريين مع الرئيس الحمدي-كانت بجهود الأستاذ المرحوم مطهر حسان، والأستاذ القائد الشهيد عبد السلام محمد مقبل، والأستاذ عمر الوصابي ،والأستاذ حسين الخامري، وعبد الله سلام الحكيمي، وآخرون.
ويشير إلى دور البيانات السياسية التي كانت تصدر عن الرابطة في المناسبات والأعياد الوطنية المختلفة ، منذ أواخر عقد الستينيات والتي كان الشهيد عيسى محمد سيف يقوم بصياغتها ، عملت على التقريب والحوار والإقناع ،وصولا إلى العلاقة التي تأسست بين الحمدي والناصريين.ص59- العلاقة بين الرئيس الحمدي والتنظيم الناصري في اليمن-محمد سعيد ظافر-2020.
وكان أهم البيانات هو البيان الصادر بمناسبة 26سبتمبر1974، وهو ما عرف فيما بعد ببيان النقاط العشر. وفي هذا البيان وجد الرئيس الحمدي المشترك الوطني مع الناصريين ، فيما يتعلق بالمطالب الوطنية في التصحيح والتحديث والقضاء على الفساد، وموقف رافض ومعاد لنظام حركة 5نوفمبر 1967م، ومعاداة النظام الماركسي القائم في الجنوب.ص61-المصدر السابق.
وكان لقاء الرئيس الحمدي بقيادة الرابطة في أول زيارة رسمية له إلى مصر ، فقد كان حوار بينه وبين الهيئة الإدارية للرابطة ، وكانوا جميعا ناصريين وفي مقدمتهم عيسى محمد سيف ، الذي استطاع بحسب ما يرويه عبد الله سلام الحكيمي في مقاله آنف الذكر-“استطاع بثقافته الفكرية والسياسية ، وبقدرته الفذة على الحوار والإقناع ، أن يستحوذ على قدر كبير للغاية من اهتمام وإعجاب الرئيس الحمدي ، وطلب من الشهيد /عيسى عند انفراده به في نهاية الحوار مشددا عليه بضرورة قيامه بالاتصال به فور عودته إلى الوطن، واعطاه رقم تليفونه الخاص”ص61.
وقد كان اللقاء بين الرئيس الحمدي وعيسى محمد سيف فور عودته إلى اليمن ، في مكتب الحمدي بالقيادة العامة للقوات المسلحة ،واستمر الحوار لأكثر من ثلاث ساعات ، تخللها مقابلة كانت مقررة سابقا بين الحمدي وسفير الاتحاد السوفيتي، ليتواصل الحوار في قضايا هامة وحيوية مثل” تحليل وتقويم الأوضاع السياسية والفكرية، ومشروع الحركة الوطني ،والتوجهات السياسية والفكرية، وأهمية إيجاد تنظيم سياسي معبر عن الحركة وأهدافها وتطلعاتها، ويرسم معالم نهجها الفكري والسياسي والاقتصادي، ويكون بمثابة قناة الاتصال والتفاعل بين الجماهير والقيادة، ويكون القوة الضامنة لحماية واستمرار المسيرة، وغير ذلك من القضايا”ص62-63-المصدر السابق.