- محمد ناجي أحمد
يتحدث أحمد أبو اصبع عن دور القاضي عبر الرحمن الإرياني في إقناع عبد الله باذيب بعدم الاستمرار بمهاجمة الاتحاد اليمني والأستاذين النعمان والزبيري، فقد سبق لباذيب أن تناول حركة الأحرار والنعمان الزبيري في مقالات نشرها بصحيفته (الطليعة) الصادرة في تعز، وهاجم برنامجهما بالنقد ، واستعرض الصراعات داخل الاتحاد اليمني.
كان اللقاء بين القاضي عبد الرحمن الإرياني وعبد الله عبد الرزاق باذيب بواسطة يحيى بهران في منزل عبد الرحمن الإرياني .
وعن موقف مطيع دماج المنحاز لولي العهد محمد البدر يرى صاحب المذكرات أنه كان انحيازا تكتيكيا ؛ لأن البدر هو الطرف الأسهل انقيادا في الأسرة الحاكمة . ومن أجل خلق انشقاق في الأسرة الحاكمة.
ويشير المؤلف إلى أن السلال وأحمد جابر عفيف وهاشم طالب وعبد الله الضبي وعبد الله باذيب وجبر بن جبر ومحمد الشعبي وأحمد جبران وعبد الله صالح عبده كانوا منحازين للبدر ” عن قناعة بأنه سيشكل مرحلة متقدم”.
وحين نعود إلى مذكرات الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني نجده يتحدث عن انقسام الأحرار بين مؤيد للبدر ومؤيد للحسن بأنه قائم على أساس القناعة والمصلحة لا عن سابق تخطيط وتوزيع أدوار بغرض تفجير الصراع والتناقضات داخل الأسرة الحاكمة.
فكر أمين أبو راس بالهرب إلى عدن لكنه لم يكن يملك من المال عدا مصاريف الطريق ، لكن مطيع دماج أخبره بأنه قد أعد العدة خلال خمسة عشر سنة منذ أن عاد من عدن عام 1946، ولديه حصيلة قد جمعها لمثل هذا اليوم ” لأني لا أريد أن أهرب كما هربت سابقا وأمكث في عدن عاجزا نتيجة قلة ذات اليد. لقد عدت من هروبي السابق هربا من الجوع وهربا من الأستاذ النعمان الذي كان مسئولا عن الاتحاد اليمني”. كان اسمه حينها (حزب الأحرار) ثم الجمعية اليمانية الكبرى وليس (الاتحاد اليمني) فالاتحاد تسمية أطلقت عليه في الخمسينيات.
كانت العلاقة بين الأستاذ أحمد محمد نعمان من جهة والشيخ مطيع دماج والشيخ سنان أبو لحوم ومحمد الفسيل من جهة ثانية علاقة سلبية، لأسباب عديدة منها الأمور المالية ومصادر دعم حزب الأحرار، فقد كان البعض يطالب بمعرفة مصادر دعم الحزب ماليا ، وكان النعمان يرفض الإعلان عن أسماء المتبرعين للحزب، وكان سنان وآخرون قد حاولوا أن يوجدوا قناة تواصل مباشرة مع المعتمد البريطاني بعدن …وبسبب ضيق المعيشة والتقتير في الإنفاق على الأحرار في عدن فقد عاد مطيع دماج إلى تعز .فالأستاذ النعمان إذا تطرق في مذكراته لمطيع دماج فيكون ذكره سلبيا ، أو تقليلا من شأنه، ويبدو أن علاقة مطيع دماج لم تكن قوية في مشاعرها حتى مع القاضي عبدالرحمن الإرياني ، الذي يورد في مذكراته أهمية ومكانة الشيخ أمين أبو راس ، ويقلل من أهمية مطيع دماج وثقله في ذي محمد. وكذلك أحمد محمد الشامي في كتابه (رياح التغيير في اليمن) يذكر مطيع دماج في كتابه بصورة مهمشة ، فيذكر أن مطيع فر إلى عدن هو وأستاذه عقيل عثمان ، مع أن العلاقة بين مطيع دماج وعقيل عثمان هي صحبة وصداقة ورفقة نضال ومنطقة ، وليس علاقة أستاذ بتلميذه.
لم يتم تنفيذ فكرة الهرب إلى عدن لأن القاضي عبد الرحمن الإرياني كان رايه التريث.
يروي أحمد منصور أبو اصبع في كتابه هذا مشاهد للشخصيات تعكس الانفعالات الإنسانية ولحظات الضعف الطبيعية ، ومنذ لك حين التقى بمحمد عبد الواسع حميد الملقب بـ(الخويل)
“الذي كان يبكي لأن الإمام هدم بيوته في الأصابح بالحجرية وكان يطلب المساعدة، ولما عدت إلى تعز وتابعت خراب بيوته اتضح لي أن الخبر نقل له ربما كان كاذبا”.
وكذلك من ضمن اللقطات الشخصية ما يتعلق بقدرة الشهيد عبده كامل ، وهو من المناضلين والشهداء ، من حاشد-على تزوير توقيع ولي العهد محمد البدر، فقد كان عبده كامل يعمل بالتجارة وملتزما بنقل البريد بين صنعاء والسعودية وبعض المناطق الشمالية…فقام عبده كامل ” بتزوير توقيع البدر على أمر إدخال ألفي ( بندة) تبغ من ميناء المخا وأدخلها بالفعل وصرف ثمنها على العمل الوطني. وقد تولى إتمام العملية أخوه يحيى وحاول تقليده لكنه فشل واكتشف وأمر بإيقافه” لكن الحرس الخاص كان معظمهم من حاشد سهلوا عملية فراره…
ومن ضمن هذه الالتقاطات الشخصية في سياقها الاجتماعي والسياسي ما رواه المؤلف عن يحيى بهران الذي كان قريبا في ميوله السياسية من عبد الله باذيب، وكان قد أجر بيتا لأحد الخبراء السوفيت بمائة وعشرين ريالا ” وقد حاول أحد موظفي النقطة الرابعة استئجار نفس المنزل بثلاثمائة ريال، فوافق بهران على طرد المستأجر الروسي، وسلم لي بهران المفتاح لأسلمه لعبد الغني مطهر على أساس تأجيره لموظف النقطة الرابعة، إلاَّ أن البيت لم يؤجر”.
من القضايا الاجتماعية التي ترد في الكتاب حكاية عمته أخت أبيه ، كانت كبيرة في السن بحسب وصف المؤلف، وقام حفيدها بإقناعها برفع قضية على إخوانها مطالبة إياهم بوريثتها من أبيها، ويرى المؤلف أن عمته كانت قد تصرفت بمعظم ورثها…
ويبدو لي أن هذه القصة تعكس طبيعة المجتمع الفلاحي الذي لا زال إلى يومنا يرى أن حصة المرأة من الورث هو (معاودتها) في الأعياد ؛ أي يكفيها أن يتم إعطائها هدية وبعض المال عند زيارتها في العيد( معاودة).
ولهذا فإن مطلب تغيير النظام السياسي من نظام ملكي متوكلي إمامي إلى نظام جمهوري لم يصاحبه تغيير في الرؤية الاجتماعية بخصوص المرأة حقها في الورث ، فالمرأة ظلت مغيبة من حقها في الأرض، وفقا للعقل البدوي والقبيلي ، الذي لا يورث المرأة بشكل فعلي ، وإن أُعْطيت في بعض المناطق صورة من (فرز) منقوص، أي بعد استبعادها من أفضل الأراضي الخصبة ومن بيت والدها ،فجزء يتم التحايل عليه بيعا واستردادا وجزء يتم الاستحواذ عليه على أنه حق القبر والقراءة ،وجزء يتم إخراجه وقفا والذكور وأبنائهم هم الأوصياء عليه الخ. وما يتبقى من ورث منقوص يعطى لها صوريا وليس فعليا!
ولعلنا نتذكر أن من بين الأسباب العديدة للصراع بين حاشد والإمام يحيى هو موضوع امتناع حاشد في إعطاء النساء مواريثهن.
يحدثنا المؤلف عن قصة عمته حين قام حفيدها بتحريضها لرفع دعوى ضد إخوانها من أجل ورثها، والمؤلف يروي القصة من منظور أنها كانت تحريضا من الحفيد لعمته الكبيرة في السن، وأنها كانت قد تصرفت بمعظم إرثها، وقد تحمس لها الشيخ علي محسن باشا ، وهو من رجالات 1948م، وظل في السجن من 48-1955م . كان عاملا حينها في جبلة، وبحسب المؤلف فقد كان الشيخ علي محسن باشا “شغوفا بمثل هذه المشاكل وما يمكن أن يترتب عليها من فائدة له، وقد وقف مع عمتي ضدنا واستمد أوامر من الإمام بإعادة قسمة التركة هادفا إلى إذلالنا لإخضاع الآخرين”. لكن الشيخ منصور أبو اصبع استطاع أن يوقف الأمر وذلك بتدخل من القاضي عبد الرحمن الإرياني الذي حمل شكواهم وعرضها على الإمام أحمد في (السخنة) فأمر الإمام بكف الخطاب عن منصور أبو اصبع وإخوته.