- ضياف البراق
سقطت دمعة كبيرة من سقف الغرفة. دمعة أكبر من السقف. بالطبع ليست دمعة الله. سقطت غيمةٌ سوداء، سقوطها هزّني من داخل الروح. وسقطتْ اللمبة الوحيدة، المُتسِخة بالغبار. هذه اللمبة اللعينة التي لم تشتغل ولا مرّة منذ انطفاء الوطن واشتعال الحرب، منذ عدة أعوام. الضوء يخفي الحقيقة عنّي. الظلام يغمسني أحيانًا في نور الحياة. الضوء قناعنا الكاذب. الضوء سواد قلوبنا الحزين. الضوء هاوية باردة لا نشعر فيها بمعنى الوجود. ثم إنني لا أبحث عن الحقيقة، أو لا تعنيني مُطْلَقًا. لا يبحث عن الحقيقة إلّا المخلوق المُزيَّف أو الفارغ. ليس من حقيقة واحدة كما يقول كافكا. وأنا أقول: على الحقيقة أن تبحث عنّي إذا أرادتني لها أو معها. يُنهكني البحث عن الأشياء التي هي من جنس الألم. أي شيء جميل، أي معنى حقيقي فإنه من جِنْسِ الألم.
الدمعة التي سقطت كادت تمحو وجهي عن وجه الأرض. الغيمة ارتطمتْ بقاعي. اللمبة سقطت ولم تتحطم بكاملها. انكسارُ اللمبةِ أضاءَ ذاكرة الغرفة الكئيبة، وأيقظها من نومها. يا ليته أيقظني أيضًا. السقوط لا بُدَّ منه لكي نرتقي إنسانيًا على الشكل الصحيح، أو لكي نستعيدَ إحساسنا بالحب الأول. وأمّا الحقيقة، فهذه تسقط دائمًا، وتسقط معها بهجةُ حياتنا. الوقت هو الآخر سقط من الساعة المعلّقة على الجدار. أكره حتى ساعة الهاتف. لا أحب الوقت. لا أحب النظر إلى وجه الزمن.
ثم رحتُ أدفعني على القدمين، إلى الأمام، داخل الغرفة، باحثًا عن وجهي المسحوق بين الركام، عن رائحة الغيمة، وعن نزيف اللمبة البائسة. ولكن، كالعادة، لم أجد سوى الألم فاتحًا جحيمَهُ الوسيع. ركضتُ مسرعًا إلى خلفي، هاربًا من وجه الجحيم المفتوح، مُستنجِدًا بالمجهول. المجهول ينتظرني دائمًا تحت فراش النوم. المجهول ينتظرني في كل طريق، وفي كل اتجاه. المجهول سرابٌ غريب لا يفشي أسراره لأحد. التقفني المجهول واختفى الألم أو الجحيم. عدتُ سالمًا إلى فراشي القَلِق. لم أفلح في الاتصال بالنوم. أنا، بالتأكيد، لا أفلح في أي شيء. سعادتي بفشلي كثيرة. ضوء الفجر سيبدأ اِنهمارَهُ بعد قليل، وسأدخل أنا في ليلٍ جديد، وسأسقط على وجهٍ آخر. الحياة سقوطٌ مُتسلسِل من مجهول إلى مجهول آخر. وهذه الحرب لا تستثني أحدًا. الحرب حقيقتنا الصادقة. لن أصحو، بل سأبقى منطويًا على ليلي هذا. أنا غيمة سوداء.