عن حياة أهم خبير نفطي واقتصادي يمني، قتله ما كان يٌعتمل في نفسه من آسى وحسرة على اليمن وإدراكه صعوبة وخطر الأوضاع التي تمر بها
لقد مر العام سريعا لكنه مثقل بوجع وصدمة غياب الأب والمعلم والقدوة والدي الحبيب.. وفِي هذه الذكرى أود أن أسرد بعضا من الذكريات والمواقف التي تعكس بعضا من شخصيته الوطنية في المقام الأول و أدواره ولعل قلمي يلم ولو بعضا من شتات روحي بعد فراقه..
سألت والدي ذات يوم قائلة: “أبي
لماذا عدت لليمن بعد أن كنتَ رجل أعمال ذا شخصية مرموقة في المجتمع الغربي؟”
أجاب والدي وهو يضع ابتسامته كالمعتاد: “ما هي هويتي يا ابنتي؟”
أجبته بتعجب: “بالتاكيد يمنية!”
سيرته الذاتية:
ولد المرحوم في ١٩٦٦م في إحدى قرى مديرية الرضمة محافظة إب.. توفي العام الماضي ٢٠١٩ في ٢٥ يوليو في الهند نتيجة مضاعفات عملية زراعة كلى..
متزوج وله خمسة أبناء بنتين وثلاثة أبناء”
تعليمه:
حصل على شهادته الجامعية من جامعة صنعاء في مجال علوم الأرض فيزياء جيولوجية، وأكمل الدراسات العليا في الولايات المتحدة الأمريكية في مجال إدارة إنتاج واقتصاد نفطي..
أدواره الوطنية
مكافحة الفساد:
لقد كان من أوائل الشخصيات التي تتبعت وحاربت منابع الفساد في القطاع النفطي.. حيث عمل وبشكل متواصل على كشف العمليات المشبوهة في هذا القطاع وتجميع الأدلة اللازمة..
لقد حاول مرارا إيصال ملفات الفساد مثل ” عقود بيع الغاز المجحفة ” للجهات المعنية إلا أن ذلك لم يكن مجديا مع تأصل آفة الفساد في بنية الدولة.. بعدها حاول العمل مع وسائل الإعلام لخلق وعي وطني عام لمواجهة الفساد وكان له تواصل مع المرحوم الصحفي محمد العبسي والصحفي نبيل الشرعبي وصحفيون أخرون في هذا المجال ووسائل إعلام متعددة منها قناة بلقيس وقنوات تلفزيونية أخرى..
كما أنشأ “الجمعية اليمنية لحماية الثروات الطبيعية” لمكافحة الفساد وتجارة النفط.
المواقف السياسية:
لقد كان المرحوم من الناشطين سياسيا منذ أن كان طالبا في الثانوية العامة حيث كان متابعا حصيفا للشأن الوطني والعربي وحين التحق بالجامعة في فترة الثمانيات أصبح عضوا في المؤتمر الشعبي العام وظل ناشطا فيه وفي المجال السياسي العام حتى أدرك حجم ومستوى الفساد الذي ضرب النخبة السياسية في اليمن حينها قرر الانسحاب من العمل السياسي والتركيز في أعماله الخاصة..
بعد سقوط صنعاء على ايدي الحوثيين ونظرا لرفع الجماعة لشعارات مكافحة الفساد فقد رأى المرحوم أنها قد تكون كذلك فرصة لمواجهة جذور الفساد في البلاد إلا أنه ومن الشهور الأولى سرعان ما تكشفت له الكذبة الحوثية وبدء يتحدث بكل جرأة ومن داخل صنعاء عن مواقفه السياسية الرافضة تماما لتوجهات الحركة الحوثية وغاياتها غير الوطنية..
المواقف الشخصية
كان للمرحوم محاولاته العديدة لإحداث تغيير وتحسين في مستوى حياة الناس بحسب مقدرته فنجده وقد تكفل بدعم بناء سد في احدى مناطق مديرية الرضمة حيث تعاني المنطقة من شحة الموارد المائية .. كما كان داعما لقضايا المنطقة والتي كان يدرك أنها كغيرها من مناطق اليمن تعيش تهميشا وسوء حال..
لقد كان واسع الإدراك شديد الذكاء ذو مقدرة عالية على رصد الأحداث والتوقع بمآلاتها ومما كان يقوله قبيل بدء ثورة فبراير ” إن سيطرة علي صالح لا تتجاوز حدود صنعاء” وأن الاوضاع على وشك الانفجار.. وقد حدث وكان شديد الحماس لثورة فبراير إلا أنه كذلك ساوره شعور كبير بالتشاؤم ..
عند بدء مؤتمر الحوار الوطني الشامل كان حريصا على تقديم الرأي والمشورة وقد عمل على ذلك ..
ولقد اتيحت له فرصة العيش خارج البلاد حيث افتتح نشاطه في المجال النفطي داخل اليمن وخارجه وأسس عدة شركات في مجال تسويق النفط شركة “ZSA” و شركة “yemoil” لكنه ظل متمسكا بالبقاء في اليمن، محبا لها وحريصا على بذل كل الذي يستطيع لتغيير ما أمكنه..
لقد رحل وهو يتألم لحال اليمن وأبناءها، ولعل تدهور حالته الصحية والذي حدث بشكل مفاجئ في السنوات الأخيرة كان بسبب ما كان يعتمل في نفسه من آسى وحسرة على اليمن وإدراكه صعوبة وخطر الأوضاع التي تمر بها…
سألت والدي ذات يوم قائلة: “أبي
لماذا عدت لليمن بعد أن كنتَ رجل أعمال ذا شخصية مرموقة في المجتمع الغربي؟”
أجاب والدي وهو يضع ابتسامته كالمعتاد: “ما هي هويتي يا ابنتي؟”
أجبته بتعجب: “بالتاكيد يمنية!”
قال وهو ينظر للسقف: “قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”.
عدت لبلادي لأرجع حقوق الملكية لشعب نُهب وهضم حقه بسبب حكومات فاشلة وفاسدة،
عدت بعد أن أصبحت مدركًا وواعيًا حتى لا أقوم بأخطاء يحاسَب عليها غيري. ربما سأندم مستقبلاً بسبب تركي لتلك الحياة الجميلة التي عشت بها في الخارج، ولكن سيكون ندمي مؤلمًا أكثر إن تركت أبناء بلدي خلفي دون أن اقدم أي مساعدة لهم، قال ابن الرومي مخاطبًا وطنه: “و لي وطن آليت أن لا أبيعه، و ألا أرى غيري له الدهر مالكاً..” “
أدركت حينها أننا مسؤولون عن وطننا وعن قول ونصر الحق، حتى وإن عُرضت كنوز الدنيا علينا.
وأخيراً أقدم كل الاحترام والتقدير لوالدي الدكتور محمد الزوبة عن ما قدمه لبلاده وعن مساهماته في بناء يمن جديد يحتضن أبنائه المهضومين..
رحمة الله عليك يا شهيد الوطن..
• الدكتورة سهام محمد عبدالعزيز الزوبة