- يحيى الحمادي
مثلما تَقُولُ قابِلَةُ الحَيِّ لَيلَةَ مَخَاضِها؛ أَقولُ لك:
حاذِر -مهما بَلغ بِكَ الفَرَاغُ، أو استَفحَلَت بك البِطالةُ- أن تكون شاعرًا.. إنها ليست هوايةً، ولا فُسحة، وإنك ما زلت في أمانٍ ما دمت لم تنجرف في تيّارِها الدَّوَّام..
ما الذي بربّك يَجنِيه الشعراءُ مِن أَشعارِهِم!
إنها اللعنةُ يا صديقي.. اللعنة..
سوف تَكتُبُ: أنا وَحِيد..
أنا أتألّم..
أنا أموت..
وسوف يقال لك: ما أروعَك..
كم أنت مُدهِشٌ ومتألّق..
كم أنت فِتنة..
سوف تتقطع أَنفاسُك، وتتمزق نِيَاطُ قلبِك، وحبالُ صوتِك، وأنت تَبكي نفسَك، وجُمهُورَكَ الشّاخصَ أمامَك.. لكنّه فجأةً -وقد تَدَلَّى رأسُك- سيُقاطع نَحِيبَكَ بالتّصفيق الحار، ثم ينصرف إلى عَشَائِهِ دُون أن يُلقِيَ إليك بالًا، أو منديلا.
سوف يُخَيَّلُ إليك أنك محوَر الكون، وأنك مُحاطٌ بجبالٍ من الأصدقاء والأحباب.. ثم ستكتشف في أول منعطفٍ يمرُّ بك، أو تمرُّ به، كم أنت مكشوفُ الظهر، مُباحُ الجانب، وأنك لست سوى هامشٍ للعدم..
سوف تفوز من الوطن بِالغُربة، ومن الحُبّ بالسُّمعة، ومن الناس بالنسيان؛ وستنفق ساعاتِ عمرِك كلّها وأنت تُحارِب مِن أجل فزَّاعةٍ صَنَعتَها بيديك؛ سوف تحارب نفسَك وقومَك، وصحّتك ونومَك، وتَعيش في عزلتك الكئيبةِ زاعمًا أنك تدافعُ عن صَخرةٍ أَوهَمتَ نَفسَك أنّ الجميع تَخَلَّوا عنها، وأنك حارسُها الوحيد، حارسُها الذي لا يَنامُ ولا يصحو.. وفي نهاية المطاف ستدرك كم كنتَ ساذجًا، وستَصحُو.. نعم ستصحو لكن بعد أن تكون قد جَثَمَت على صَدرِك شاهِدةُ الرّخام الثقيلة، محفورٌ عليها تاريخُ انتهائك، ومنديلان..
إنها اللعنةُ يا صديقي.. وأيَّةُ لعنةٍ أكبَرُ من أن تكون شاعرًا في وطنٍ تَحكمه العصاباتُ، والمَأجُورون، وتجار السلاح والدّين، وطنٍ لا يَحفلُ إلا بمصّاصي الدّماء، وقُطّاعِ الطرق.
يا صديقي؛ حاذر -مهما كنتَ شاعرًا- أن تكون شاعرا..
أن تَخسَر ما تبقّى من ماءِ روحِك في حَضرةِ هذه الرّمال الهوجاء، وهذا المأتَمِ الجماعيّ الكبير..
فهذا زمنُ القَتَلَةِ لا القَبَلَة..
زَمنُ الأغبياءِ لا الأنبياء..
زمنُ اللصوصِ لا النصوص..
يحيى الحمادي