- كتب: محمد ناجي
في كتابه الرائد(توحيد اليمن القديم -الصراع بين سبأ وحمير وحضرموت ،من القرن الأول إلى القرن الثالث الميلادي )قدم لنا المؤرخ الأستاذ الدكتور محمد عبد القادر بافقيه تاريخا سياسيا ،وتفاصيل عن تكوين اليمن القديم، في القرون الثلاثة الأولى من الميلاد،ومتى كانت الحاجة للعودة إلى قرون ما قبل الميلاد كان المؤرخ يأخذنا إلى تلك الحقب كلما استدعى الدرس التاريخي ذلك…
لم يكن تاريخ اليمن في صراعاته ووحدته وفق مقتضيات السياسة والاقتصاد مغايرا لمسار الشعوب التي مرت بشكل حتمي بحقبة الصراع قبل التوحد، في حالاتها المختلفة قوة وضعفا، وحين يكون على أبواب أسوارها طارق الغزو الأجنبي…
هاهي سوريا، ليس في تاريخها القديم فحسب بل والوسيط كانت في احتراب وصراع دائم بين حلب ودمشق وحماة وحمص وأنطاكية الخ.
ففي عهد عماد الدين زنكي وابنه نور الدين زنكي ،وفي عهد صلاح الدين الأيوبي قبل توحيده لمصر واليمن والشام،وفي عهد أبنائه وإخوانه وأبناء أخوته كنا نرى تلك الإمارات تخوض حروب الفرقة والتمزق فيما بينها ليعود الفرنجة إلى القدس من جديد ،وإلى احتلال المدن الساحلية في الشام…كذلك هو حال العراق ، بل إن توحيد نجد والحجاز في شبه الجزيرة العربية مرَّ بحروب واقتتال استمر إلى طيلة عشرينيات القرن العشرين!
وهذا هو حال ممالك الشرق والغرب ،فلسنا بدعا في التاريخ، حتى ينطلق البعض من هذه المقدمات ليبني عليها أن الأصل في اليمن هو الفرقه لا الوحدة، ففي كتاباته المفصلة لتاريخ العرب (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) كان جواد علي مع احتمال أن يكون تاريخ الوحدة في اليمن هو الأصل، والفرقة هو العارض الذي ينتج عن ضعف وانهيار اقتصادي أو غزو أجنبي…
ولهذا فإن التاريخ اليمني في مسيرة تكوين وحدة إنسانه وجغرافيته لم يكن فوق التاريخ ،بل منتجا من منتجاته في حقب الرخاء أو الضعف،في مراحل التوحد أو التفكك…
إن كتاب(توحيد اليمن القديم) ينقلنا بتحليل واستقراء للنقوش إلى جوهر العلاقات البينية والمتداخلة والممتزجة لتاريخ سبأ وحمير وحضرموت ،وكيف أن التحالفات والحدود والتخوم لم تكن متفقة مع أو هامنا الجهوية هذه الأيام؛ فحضرموت تتحالف مع سبأ في مواجهة ذي ريدان ، ثم تتغير التحالفات ، لتتخذ الدولة في ذلك العهد بعد توحدها أسماء مركبة تحيل لوحدة أجزائها(ملك سبأ وذو ريدان)…
يقول بافقيه:
“وفي رأينا أن محاولات تحقيق هذا المشروع الوحدوي إذا جاز لنا استخدام هذا التعبير الحديث ، بدأت في اللحظة التي كانت فيها التجارة البرية ما تزال تحتل مكانا أهم من التجارة البحرية، وبالنتيجة فقد استجاب هذا المشروع لحاجات الطرفين والكيانين(أي السبئي والريداني) وفي تواصل الرغبة لتحقيقه -ثم تحقيقه فعلا- ما يؤكد هذا الرأي.
ومع ذلك فقد أثارهذا المشروع الوحدوي منذ البداية منافسات ونزاعات بين الأطراف المعنية مباشرة .وبالنسبة للآخرين من حيث طرف ثالث ، لم يكن هذا المشروع مقبولا ولا مرغوبا فيه. ولهذا السبب فإن تحقيقه كان شاقا من الناحية العملية”ص18-توحيد اليمن القديم-الصراع بين سبأ وحميروحضرموت، من القرن الأول إلى القرن الثالث الميلادي-تأليف: أ .د.محمد عبد القادر بافقيه-ترجمة :د.علي محمد زيد- المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية بصنعاء-2007.
والكتاب في الأصل رسالة دكتوراه تم الدفاع عنها في جامعة السربون عام 1983م.