- كتب: زكي حاشد
العواقب الاستراتيجية لوباء كورونا معقدة جدا، لا نستطيع الحكم الآن على نهايات قطعية، أو أن نتنبأ بواقع العالم بعد فيروس الكورونا بشكل حتمي، لكن نستطيع أن نتلمس بعض المؤشرات.
إذا كانت الصين تتعافى -رغم أننا لا نستطيع الجزم بهذا الآن- ولكن إذا افترضنا أن الصين بدأت تتعافى بينما تدخل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى في ذروة المرض، فمعناه أن وضع الصين اقتصاديا واستراتيجيا سيكون أفضل من بقية دول العالم.
إذا استمرت حالة الانهيار الاقتصادي الحالي وصولا إلى ركود عالمي كبير، فإن الكثير من دول العالم ستتضرر ضررا غير قابل للإصلاح، وسيصاب النظام الاقتصادي في مقتل. وستعاني الدول الصناعية التي يعتمد اقتصادها على التصدير، ومن بينها الدول المنتجة للنفط.
من ناحية أخرى واقع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل رئيس مهووس بذاته ليس مبشرا بالخير، وصورة أمريكا ستهتز، داخليا ستعاني من اضطراب النظام الصحي الأمريكي فهو ليس مهيئا لاحتواء تداعيات كورونا، فالنظام الصحي الأمريكي قد ينهار بسبب نظام التأمين الصحي السيء، وهناك نسبة هائلة من السكان ليس لديهم القدرة على دفع تكاليف العلاج، مما قد يؤدي إلى تفشي المرض سريعا وإلى حالة من الذروة لا تستطيع المستشفيات احتوائها، وهذا سيعزز من الركود الاقتصادي.
الأموال التي تضخها أمريكا في الأسواق بمئات المليارات لمقاومة الانهيار الاقتصادي الحالي مذهلة، ومع هذا تواصل الأسواق بدون رحمة هبوطا مدويا كل يوم حتى بعد انخفاض نسبة الفوائد من قبل البنك الفدرالي في أمريكا إلى الصفر.
مكانة أمريكا العالمية تتراجع منذ سنوات، وكورونا سيسرع في تراجعها وانحسار أهميتها القيادية العالمية لحساب أقطاب دولية أخرى قد تقف الصين على رأسها.
قال ترمب في خطابه يوم الإثنين أن الأسواق ستتعافى سريعا وتعود إلى طبيعتها، لكن هناك ضرر حقيقي يقع على الناس خصوصا الفقراء الذين يضطرون إلى ترك وظائفهم ولا يحصلون إلا على جزء من رواتبهم أو لا يحصلون عليها، وهذا ليس إلا البداية.
سيستفيق الناس بعد كورونا وقد خسروا أموالا كبيرة جدا، المطاعم والمقاهي وقطاع السياحة وقطاع الطيران والقطاعات الخدمية الكبرى والموظفين المؤقتين والعمال المستقلين ومن ليس لديه قدرة مالية على الاستمرار، حدوث حالة من الركود الاقتصادي العالمي وعدم قدرة الناس على الشراء سيؤدي إلى تفاعلات اجتماعية وسياسية خطيرة في أماكن كثيرة ، صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعاني، ولا ندري بالضبط هل ستتشافى أم لا، لكن الذي نتوقعه أن المعاناة الاقتصادية الأكبر ستكون أوروبية.
لم نتحدث عن الوضع الاقتصادي في الشرق الأوسط وإفريقيا لأنه سيء أصلا، ولكن الضرر الأكبر نسبيا سيقع على الدول المتطورة لأن اقتصادياتها هي الأكبر واعتمادها على الأسواق والبورصات أكبر بكثير من اعتماد الدول الأخرى.
- انتهاء عالم كنّا نعرفه…!
ما يحدث اليوم هو موت للقديم وإيذان بولادة الجديد، فإذا عملنا بجد واجتهاد فإن الجديد سيكون أفضل، أما إن استسلمنا لغلبة الهوى وأوهام الجشع فإننا سندخل عصور ظلام جديدة.
الأزمات تسرِّع حركة التاريخ وتكثف تحولاته، ونحن نعبر أزمة من هذه الأزمات النادرة في التاريخ، وعلى العموم فالبشرية اليوم أمام خيارين: إما أن يتضامن الناس مع بعضهم ويصلوا إلى حالة من الارتقاء الإنساني العالمي لاسيما أن هذه الأزمة لا تحل إلا بتضامن عالمي، أو أن ينكفيء الناس كل على مصلحته الضيقة ، فتتعاظم الأنانية ويزداد الجشع.
وللأسف لا أتوقع أن العالم سيثوب إلى رشده عما قريب، فيؤسس منظومة عالمية عادلة تستعيد عافية البشرية، وتؤسس نظما اقتصادية واجتماعية رشيدة. الذي أتنبأ به أن النزعة المادية القومية سوف تغلب، وأن كل دولة ستحاول أن تسيطر على مواردها وموارد غيرها، في سباق محموم جديد، وربما وصولا إلى صراعات دموية، وهذا لن يكون خيرا على البشرية في مستقبل الأيام، لكن سرعان ما سيكتشف الناس أن لا مناص من الارتقاء إلى التضامن الإنساني العالمي، والعودة الى الرشد الكفيل بحياة طيبة للجميع، وأرجو أن لا يطول ذلك.