- كتب: زكي حاشد
العولمة كانت اقتصادية بالدرجة الأولى، ثم صارت تقنية وثقافية، والاقتصاد اليوم هو الضحية الأكبر بعد الإنسان لفيروس الكورونا، فالإنسان يعاني ويموت، والفزع من الموت أصبح إشكالية كبرى عند الناس جميعا رغم أن نسبة الوفيات ليست كبيرة.
ولكن الخطر الماثل أمامنا اقتصادي، الإنسانية اليوم تعبر انهيارا اقتصاديا غير مسبوق، فالاقتصاد العالمي كان يعبر حالة من التوتر في السنوات القليلة الماضية، وكنا دائما نتوقع أن أزمة اقتصادية عالمية جديدة ستعصف، لكن لم يكن يتوقع أحد أن تلك الأزمة سوف تحدث بهذه السرعة ومن خلال هذا الفيروس.
اليوم نرى أن مؤشرات الأسواق العالمية وصلت إلى درجة لم يسبق لها مثيل إلا في الأزمات التاريخية الكبرى مثل الكساد الأعظم أو الكساد العظيم great depression عام 1929م وأزمة 2008م. ويتوقع الكثير من الاقتصاديين أن ما سيحدث الآن أسوأ بكثير مما حدث في الكساد العظيم، والسبب في ذلك أن الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل أكبر من أي وقت مضى على حالة من التواصل المركب والعولمة المعتمدة على بعضها، حيث أن الكل يتأثر بالكل؛ فمنذ أن بدأت الأزمة في الصين وانتشرت تدريجيا بدأت الأسواق في الانهيار في باقي أنحاء العالم.
سوق النفط على سبيل المثال بدأ يتدهور عندما بدأ الصينيون يغلقون مصانعهم ولم يعد هنالك طلب على النفط، ثم بعد ذلك وجدنا أن النفط ينهار إلى مستويات غير مسبوقة في السنوات القليلة الماضية حيث وصل ثمنه إلى 28 وقد يصل إلى 20 دولارا في وقت ما قبل أن تعود المصانع إلى فتح أبوابها.
المتضرر الأول والمستفيد الأخير.. استعادة العافية الاقتصادية والاستراتيجية!
كانت الصين متضررة بشكل كبير ولكنها ستستعيد عافيتها قبل العالم أجمع، مما قد يؤدي إلى معدلات نمو أفضل مقارنة ببقية العالم، فقدرة الصين على التعافي أكبر من قدرة أوروبا أو قدرة الولايات المتحدة لسببين: أولهما أن الحكومة الصينية حكومة حزب واحد، حكومة مركزية، تتحكم بشكل كامل في مصير الناس وحياتهم، بينما الدول الأوروبية لا تستطيع ذلك لسبب متعلق بطبيعة المجتمعات وحياتها.
التجارة والصناعة الصينية التي يحتاجها العالم والتي تضررت في ذلك الوقت بدأت تعود للعمل، فاليوم نسمع أن تسعين بالمئة من المصانع تعاود إنتاجها. إذا تقرر هذا في الأيام القادمة فسيفعل الاقتصاد الصيني شيئين، الأول أنه سيبدأ بتزويد العالم بأكثر ما يحتاجه الآن من أدوات وتجهيزات طبية من قبيل الأقنعة وأجهزة التنفس وما إلى ذلك. والعالم سيهجم على المصانع الصينية ليأچذ منها ما يستطيع.
الهدف الثاني هو محاولة كسب دول العالم عبر تزويدها بالخبرات والقدرات لمكافحة الفيروس.
الصين من حيث المبدأ بدأت تتعافى، وهذا خبر مهم جدا، لكننا لا نعرف تماما متى وكيف ستعاود إنتاجها بشكل كامل وكيف ستستعيد خطوط الإنتاج إلى بقية أنحاء العالم، وفيما إذا كان التعافي نهائيا.
أوروبا.. تأزم الاقتصاد وبروز النزعة القومية
من الواضح أن أوروبا أصبحت في مأزق كبير، نحن نعرف أن الاقتصاد الأوروبي كان يعاني من أزمات اقتصادية هائلة في السنوات الاقتصادية الماضية فهو لم يتعافى بشكل كامل منذ أزمة 2008.
تذكروا أزمة اليونان وايسلانده وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا، اليوم هذه الدول تعاني مجددا، خصوصا إيطاليا، وفرنسا أيضا دخلت في حالة إغلاق وكذلك إسبانيا. نرى أن جنوب أوروبا ستعاني أكثر من شمالها، فألمانيا مثلا أكثر تحكما بالأمور من بقية دول أوروبا الجنوبية وكذلك بقية دول أوروبا الشمالية بفضل قوة اقتصادها ونظامها الاجتماعي المختلف تماما بحكم نموذج الرأسمالية الاشتراكية Social Capitalism.
إذن الفقر الذي رأينا بداياته في السنوات الماضية سوف يتفاقم، ربما سيؤدي إلى انهيارات أكبر في منطقة اليورو، وسيؤدي قطعا إلى نزعة قومية جديدة في أوروبا. وجدنا أن النزعة القومية منذ 2008 تتصاعد بشكل كبير وصولا إلى تفاقمها بعد أزمة اللاجئين في السنتين الماضيتين، وكيف أن الأحزاب القومية اليمينية المتطرفة بدأت تنمو، وسيطرت على الحكومات في بعض الدول، ولكننا نرى اليوم موجة جديدة أثناء الفيروس وبعده، فإغلاق الحدود مقترنا بالانهيارات الاقتصادية سيجعل الناس يبدأون التفكير بأنفسهم أولا بعيدا عن الآخرين.
إذن، الأثر الثاني لهذه الأزمة بعد تضرر الاقتصاد هو ظهور النزعات القومية في مختلف أنحاء العالم لاسيما في أوروبا. يهذا سيكون لها تأثير علينا كمسلمين بحكم صلة العالم الإسلامي بأوروبا وبالذات الأقليات المسلمة التي تعيش هناك.