- طارق السكري
البردوني في ركاب الثائرين .. يحمل في تجاربه راية الطليعة .. ينعجن بالتاريخ والنقوش والثقافات اليمنية المختلفة .. يلتحم بالرصيف والأودية والحارات .. يلتصق ببيوت الجائعين وأكواخ المعوزين .. البردوني جعل من كلماته لهباً وحريقا في قصور المترفين سواء كانوا من الملكية السلالية أو كانوا من الثوار الزائفين أو كانوا من العملاء الذين هم ألعن من العم سام كما أشار في إحدى قصائده :
وعرفنا من العَمالاتِ صِنفاً
كان أطرى ما أحدث العمّ سامْ
البردوني يغلي اشتياقا وعشقا وغَيرةً على بلاده اليمن :
لعينيْ أمِّ بلقيس .. فتوحاتي وراياتي
أُشرِّق وهي قُدّامي .. وأغرُب وهي مرآتي
إليها ينتهي روحي .. ومنها تبتدي ذاتي
وفيٌّ لرفاقه في الدفاع عن الحرية والجمهورية :
نغتلي .. نبكي .. على من سقطوا
إنما نمضي لإتمام المجالْ
نبلع الأحجار .. نَدْمى إنما
نعزف الأشواق .. نشدوا للجمالْ
مُرَّةٌ أحزاننا .. لكنها
ياعذابَ الصبر أحزانُ الرجالْ
مقاوم من الطراز الرفيع .. المقاومة لدى البردوني فلسفة ورؤية .. مشروع إصلاح وتغيير .. مشروع هدم وبناء :
أغيب في تمزُّقي .. كي يهتدي تكشُّفي
البردوني التذعت روحه بنيران الثورة والخروج على الدجل والخداع :
أجيء قبل مولدي .. بعد مَدى تخلّفي
ولكن ..
لماذا ؟ ومن أجل ماذا ؟ وماذا تريد أيها الرّائي ؟
أصيح للرُّبى اقفزي .. وللحدائقِ ازحفي
وللضفاف أبحري .. وللبحار كفكفي
وللغصون سافري .. وللعروق رفرفي
وللحقول حلّقي .. وللمقابر اهتفي
وللعواصف ارقدي .. وللحجارة اعصفي
حتى الغصون يريدها أن تغادر أماكنها !! .. أن تتغيَّا فلسفة التغيير
ولو تسائلنا لماذا كل هذا التحريض والإحساس بالملل ؟
لرأينا إجابة تفيض مرارة وأسى من قلب هذا الشاعر .. هذا القلب الذي استغرب الشاعر نفسه من إصراره على البقاء حيا ! القلب الذي تثاقلت عليه هموم الزيف والخيانات التي رآها أعقاب ثورة ٢٦ سبمتبر المجيدة .. يوم عاد الملكيون بثياب الجمهوريين وبدأوا ينتقمون من الأحرار المناضلين الصادقين
ينتقمون من اليمن التي هي ثروة الآخرين وهي الفقيرة ! والتي هي خنجر الآخرين وهي العقيرة !
يقول في قصيدة : مسافرة بلا مهمة
ثم ماذا ؟ أسمَتْ سعيداً نبيلاً
ودعتْ شعلةً هدى أو سميرة
غيّرتْ شَعر جلدها وَهْيَ لمّا
تتغيّر ولم تغيِّر وتيرَه
أصبحتْ أطوعَ المطايا ولكنْ
بالتواءِ الدروب ليست خبيره
لا شيء يعجبه .. لايريد لشيء أن يستقر مكانه .. إنه تحريض مستمر .. المقاومة لدى البردوني ليست قصيدة ولا رواية إنها ثقافة وإشكالية معقدة :
وانزرعنا تحت أمطار الفناء
شجراً ملءَ المدى .. أعيا الزّوالْ
شجراً يحضنُ أعماقَ الثرى
ويُعير الريح أطراف الظلالْ
لكن لاحظوا .. رغم التحديات وتشّجم الصعاب وصعوبة التضحيات إلا أنه يدعو لثورة خضراء .. لثورة إنسانية .. لثورة خصب وتنمية .. وما دلالة كثرة ذكر الأشجار في القصيدة إلا دليلا على ذلك :
واتّقدنا في حشا الأرض هوىً
وتحوّلنا حقولاً .. وتلالْ
مشمشاً .. بنّاً .. ورودا .. وندىً
وربيعاً .. ومصيفاً وغِلالْ
لماذا هي ثورة هكذا ؟
لأن لديها مقوّمات البقاء .. إنها تمتلك رؤية . يوم نعرف ما الذي نريده .. يمكن للثورة أن تكون قيماً تدرّس ومفاهيم تكرس وتكون لبناً يرضع في المهد وقصيدة خالدة
هل أبتدي تَحرُّكي ؟
تعلَّمي أنْ تعرفي
نعم . هكذا قال البردوني .