- كتب: محمد ناجي أحمد
(أرض المؤامرات السعيدة) لوجدي الأهدل،والصادرة عن دار نوفل 2018م:
هي من الروايات القليلة التي لا تريد مفارقتها إلا وقد استكملت رحلتك داخل عوالمها …
عمل سردي عملاق ،ربما لا يوازيه إلا رواية (قهوة أمريكية )لأحمد زين ،وإن كانت (أرض المؤامرات السعيدة )فائقة القدرة في لغة التوصيف سواء للشخصيات بما هو حسي أو للولوج إلى أنساقها الاجتماعية والسياسية…
عمل يمتزج فيها السيناريو بالرواية فتزول الحدود بينهما…
ويتلاشى الشفهي بالكتابي،وكأن وجدي الأهدل مؤلف الرواية حين يكتب يشافهنا، وحين يشافهنا يسترسل بلغة كتابية متماسكة وواعية…تصف ذهانيات مواقع التواصل والفضائيات والصحف ومكبوتات المجتمع بلغة سردية تحلل وتعرض دون وعظ …
لكأني أمام حكاء وفيلسوف ومناضل في آن …
هذه رواية تحفر حضورها في الذاكرة الابداعية الانسانية…
مبروك لنا هذه الرواية واشتغاله الذي أحدث قفزات على المستوى الذاتي وعلى مستوى الابداع اليمني والعربي…
أفيون مواقع التواصل الاجتماعي يطلق عليها الساردالداخلي (مطهر فضل):”مصحة الأمراض النفسية والعقلية المعروفة تأدبا باسم الفايسبوك”
(أرض المؤامرات السعيدة) بتخلقات الوصف وتميز الحكي الذي فيه متعة وعفوية جادة ،فيها جهد يمتزج الهزل الناقد بالجد الذي يعري القهر ،ويسرد لنا بشريط من المآسي شخصيات منى وجليلة وخاتمة الخ…
قدرة في التوصيف البصري،عالية الجودة وشديدة الحساسية بما يعتمل وما تمثله شخصيات الرواية…
في وصفه لجليلة ذات الثمان سنوات،والتي اغتصبها( الشيخ بكري حسن):
” تأملتها في ضوء النهار …حقا إنها بنت جميلة جدا،جمالها لم تقع عيناي على نظير له في أي مكان .بشرتها ذهبية فاتحة كالتفاح الصعدي،وجهها مدور كالبدر ،وعيناها مسطحتان كعيني السمكة ،حدقتاها عسليتان تقطران عذوبةوحلاوة،رموشها سوداء طويلة ،خداها مستويان يفصل بينهما أنف نحيل ،فمها وردي مزموم يوحي بالجد وعلو الهمة،حاجباها هلاليَّان فاحما السواد،وجفنان واسعان يضفيان عليها سمتا جليلا…شعرها غزيرأسود،ليس مسترسلا ولا جعدا ،ولكنه حريري الملمس،خصلاته ملتفة حول نفسها،ولذلك هي لا تضفره،بل تتركه ينمو على سجيته،متكاثفا ومتداخلا في بعضه كشجيرات برية”ص31.
كل شخصية من شخصيات هذه الرواية تجدها حيوية في تكوينها وسماتها وسلوكها وقيمها،من جابر شنيني رئيس المجلس المحلي وغالب زبيطة رئيس تحرير جريدة (النضال)ورياض الكياد الذي يشي اسمه بوظيفته الروائية في بناء هذا العمل،إلى المحامي حمود شبيطة والصحفي سامي قاسم،والناشطة الحقوقيه سلام مهدي،ومدير القسم العقيد أحمد فتيني،والقاضي،والمدرس حسين البطاح الخ…
يجيد السارد الداخلي(مطهرفضل) تخليق منشورات وتعليقات في الفيس بوك مماثلة لما هو جار في مواقع التواصل الاجتماعي:فايسبوك وتويتر…بعرض متخيل لمنشورات كتبتها الناشطة الحقوقية(سلام مهدي) ورده عليها بمنشورات وتعليقات تعكس وعيا جمعيا يجسد ذهانيات وعنف ومكبوتات مواقع التواصل الاجتماعي…
عمل يتميز بقدرة فائقة في الوصف ،ليس فحسب لما هو محسوس ومجسد في تضاريس وجوه الشخصيات وقيمها وسلوكها،وإنما التقاط لما هو في أعماق الشخصيات والأحداث،وحكي يتنقل بسردية سلسلة ،عن الشخصيات وثقافة المجتمع ،سواء ذهانيته أو مكبوتاته،تلك التي تتمظهر في الفيس بوك وتويتر،وفي الجرائد ومن خلال الجماهير التي تخرج إلى الشارع بمظاهرات ،يحركها استلاب الإرداة وتناقضات الدوافع،باستلاب تتحرك حتى ضد نفسها ومع قاهريها…
لم تخلو الرواية من الغرائبية،التي هي سمة ملازمة للعديد من أعمال وجدي الأهدل الروائية والقصصية،لكنه في هذا العمل تم توظيف الغرائبية بسلاسة ،تساعد العمل على الانتقال بشخصية الراوي الداخلي(مطهرفضل) ووصول الرواية بشخصياتها إلى ذروة أزمتها،فكان استحضار أسطورة(الشيبة) الذي “”يظهر مرة في العام”إنه يظهر بعد باب الناقة…والعام الماضي تسبب في حوادث أُزهقت فيها أرواح كثيرة”ص299.
ومن خلال أسطوره( الشيبة) تكون قيامة مطهر فضل ،ومتابعته لاكتمال حكاية المقهورين،قيامة جعلته يتماهى مع الروائي الخارجي كي يستكمل لبنات بنية هذا العمل المميز ،والذي يترك ظلاله في ذاكرة قارئة،وهي ذاكرة ذات أسى ،وتاريخ شخصيات ووطن مقهور،وأمساخ غادرت ضمائرها،لتؤدي دورها كسياط على ظهور البؤساء والمسحوقين…
هذا المنشور ليس قراءة نقدية،وإنما مجرد شغف بعمل يستحثني للكتابة عنه وأنا لا زلت بين صفحاته الأخيرة…