- كتب: فارس العليي
ﻻ بد ان اغلب اليمنيين الذين دخلوا أي من البيوت الكبيرة او مؤسسات الدولة بأنهم رأوا في الرواق او داخل قاعة ، او في واجهة مكتب تحفة فنية بريشة الفنان التشكيلي الكبير عبدالجبار نعمان ..
شخصيا في أول اعدادي انتقلت من القرية للدراسة في مدينة حجة و دخلت فندق غمدان رفقة الصديق حسن حُميد ابن صاحب الفندق و زميل دراسة ، منذهلا عندما رأيت اللوحات التشكيلية معلقة بدلالاتها كما في المدرسة الرومانسية واهتمامها الواضح بالطبيعة ، كنت مندهشا فلأول مرة أرى لوحات تشكيلية مباشرة في إطارها، رأيت بعضها لكن في كتب الوالد .
اذا عبدالجبار نعمان هو : من علق جسر شهارة في جدران غمدان بتلك الطريقة التي تجعلك غير قادرا على شهق مسافة الحيد قبل ارتطام الأشياء معانيها ، تجعلك لوحة جسر شهارة تأخذ نفسا طويلا قبل أن تسأل الريشة كيف تماسكت الى أن أكمل اللون عبور الشاعرة و العارفة زينب الشهاريه بقصائدها البديعة ، الكثيرون في التاريخ عبروا من هنا يا جبار اللون ادباء ومثقفين وعلماء ، بعضهم وصلوا الى دكة الحكم من شهارة . قالت اللوحة كلما عجزت عنه الكتابة : كيف أن اليمنيين علقوا جسورا في السماء الوعرة ، فيما تقللت في سطح الجسر مخاوف العبور و تخيلات الإرتطام ، الرعيان كانوا يمتلكون اسئلة الفضاء وجهات الطير ، ومعنى الإنقضاض من الاعالي الى اسافل الذرة المسفوحة في تباب ” المدان ” وتلك المتهاوية الى اعماق الوديان علقها جسر شهارة ، نسوة كن يتسائلن الطيران من على الجسر ، أول من شعرن بفوبيا الاعالي ، و فوق الجسر ما نطق الحديث سوى تفاصيل مواعيد العشق و زركشات الغرام ، ومن عيون شهارة يستقي الجمال زرقته ، ومن جسر شهارة يصاحبن النجوم و يستمعن حديث المجرات ومن زرقة البحر يقطفن للسماء موجة من عيني معارجهن .
ليس فقط هكذا قالت لوحة عبدالجبار نعمان بل حملت دقة باز جبال شهارة عندما ﻻ يخطئ فريسته .
نعمان وكم من نعمان ملئ اليمن يمنا ؟ لكن هذه المرة بلوحة أكثر تعقيدا لرؤية الوطن ، ما احوجنا للوطن الغالي في ريشة فنان لونه وطني وفي لوحة يحمله حول العالم ، من النوافذ يطل الفنان نافذة الآبدين ، يحجر المعنى و يكاثف الدلالة ، يبالغ اللون ويكسر كلما يمت له بخلق .. !
فنان أنقَع كل جهة وطن لون و ادخل من فراغاتها اليمن ، حاكى البرق من جبينه و جُبلنا من طينه ثم قال أخضر ، وهكذا اكمل في كل المعارض لوحة اليمن .
كانت غير مصادفة التقائي باستاذنا الكبير عبدالجبار نعمان التشكيلي الجامح بلوحة الوطن ، بشراشف ونوافذ ، وعيون بنات اليمن في الوانه تتدلى من جراحات اللوحة مفتوحة الأقواس.
عبدالجبار نعمان وفاحت صبرية بيضاء بجيدها و عقدها يتدفق أناقة “سبحان اناملك المجنونة ” شرحنا حضوره و تموسق كوننا ، تيمنا و بدأنا ننضج بلحن تكسرات الألوان زهاء الإنسانية فلسفة و فكرا ومعرفة : ذلك ما قالته اللوحة..