- كتب: بدر العرابي
دراسة تفكيكية لقصيدة (الليلة الثانية بعد الألف ) للشاعر (محمد ناصر شراء)
قبل الولوج في الدراسة ، وجب علينا التنويه ،إلى أننا سنستخدم مصطلح (الشعرية) وفقاً لدلالاته في الثقافة العربية ؛ وليس بشكل من العمومية؛ كما تتخذه الثقافة الغربية والثقافات غير العربية ؛ إذ يشمل في الثقافات كلها ،ما عدا العربية _كل ما ينضوي تحت لفظة أدب ،من أنواع أدبية ،أو ممارسة إبداعية نصية ؛ قصيدة أو قصة أو رواية ؛ و تفصل الثقافات الأخرى كلها ،فيما عدا العربية _بين السرد الأدبي(القصة/الرواية) و(القصيدة) من خلال وصف القصيدة ب(الشعر الغنائي) وماعداها من أنواع نثرية ب(الأدب السردي ). وقد وجب علينا التنويه بذلك ؛ استدراكاً قبلياً ،لاحتمال إبدال أو تناوب, قد يطرأ في ثنايا تحليلنا _ بين لفظة (الغنائية والشعرية ) _باعتبارهما تدلان على (القصيدة ).
تشهد القصيدة العربية المعاصرة ،تحولات عميقة في الشكل والبنية ،وتتصاعد تلك التحولات مع الزمن ،بشكل من الدينامية التي تضع أمام المشتغلين في الأدب ،بعض الغموض والصعوبة في مقاربة معايير ثابتة لها كنوع أدبي راسخ ؛ وخاصة في عصر الانفجار المعرفي الذي يعمد إلى التحديث اللحظي للمعارف وطرق التفكير والإدراك ،التي طفقت في تدقيق وتجزيء مناهج المعرفة واخترالها في أدوات متناهية الصغر ؛ عكست نفسها بشكل سريع على المشتغلات الذهنية وقوالب عمليات التفكير العقلي .
ولم يكن الأدب ،وبالتحديد القصيدة _ عند شعراء (عدن) بمنأى عن تلك التحولات والترقيات الشاملة. ولعلنا ندرك جيداً طبيعة هذه المدينة الساحلية الملاقحة للثقافات، منذ بسطت كيانها الإنساني والجغرافي ،من حيث سرعة انسرابها لمحاكاة الثقافات المتاخمة لها ،والتكافل معها ،ثم اندماجها معها والتقاطها التحولات الثقافية ومحاكاتها عبر سلوكها المدني العتيق .
ففي نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات ،من القرن العشرين _شهدت عدن تحولات ثقافية كبيرة على مستوى البنية التحتية والبنية الفكرية ، بعد ما شهدته من محاكاة الثقافات والعلوم والآداب الأوروبية المتعاقبة عليها .
وفي نهاية السبعينات ومطلع ثمانينيات القرن المنصرم وقبلهما _ حظيت القصيدة ،كنوع أدبي ،إلى جانب المسرح والدراما والسينما والإعلام _ حظيت بحضور واسع ،ممارسةً وإنتاجاً أدبياً (شعرياً) يضاعف الإنتاج الراهن ،بشكل قد يشعرنا بممارسة بعض التسعف على أدب السبعينات والثمانينات _ إذا ما عمدنا للمقارنة بين المرحلتين . وقد أفرزت تيك المرحلة نخبة من الأصوات الشعرية متماهية المستوى والثقافة والوعي ،قد لايسمح لنا المقام ،طي هذه الورقة ، ذكرهم جميعاً ؛ إلا أن الشاعر (محمد ناصر شراء ) كان أحد مخاضات تلك المرحلة ،هو وكوكبة من الشعراء ممن تركوا لنا إرثاً شعرياً ،يستحق الاعتداد به والنهل منه كأنموذج مرجعي ومنهل ،يمنح تمثله والرجوع إليه ، التجارب الراهنة أو القادمة، أدوات ومدكرات اتصاليه مثمرة إلى حد كبير .
انمازت قصيدة تلك الكوكبة ،مثلها مثل القصيدة العربية المعاصرة، بتحولات بنيوية عميقة ،أهمها التماس الأجناسي ،أو التناص الأجناسي مع الأنواع الأدبية الأخرى ؛ ولعل متتبع الإنتاج الشعري لهذا الجيل ،سيلمح من الوهلة الأولى ،حوارية الأنواع الأدبية في النص الواحد ،حتى يكاد يجزم، بأن التناص الأجناسي ظاهرة راسخة منتظمة داخل النص الواحد ؛ فالقصيدة تطغى في معانقة القصة ،والقصة تطغى في معانقة القصيدة ،من حيث البُنى ،بقالب من العلاقة الدينامية التقابلية بين النوعين ،كما نجد تعالقاً فجاً، بين المسرحية وفنون أخرى ، والقصيدة، سنتناوله في ورقة أخرى قدماً .
إن التعالق الأجناسي في النص ، والذي برز عند شعراء عدن _ لم يكن سوى امتداداً وشمولاً لتحولات القصيدة العربية عامةً ,التي داهمت القصيدة العربية ،منذ عقود مضت ؛ إذ يخرج الباحث السوري (خليل موسى ) في دراسته ( بنية القصيدة العربية المعاصرة ) بمحصلة تفضي إلى أن القصيدة العربية ،غدت نصاً مفتوحاً ” على الشعر الدرامي والملحمي ،ومفتوحاً على النثر ،تستفيد وتتلاقح مع التراث بأشكاله جميعها ،وتتوالد من بنيات نصوص أخرى ،في جدلية تتراوح بين هدم وبناء وتعارض وتداخل وتوافق وتخالف ،إلى أن يتم تشكيل بنية القصيدة العربية المتكاملة ” (بنية القصيدة العربية المعاصرة ،منشورات اتحاد الكتاب العرب ،دمشق ،سوريا ،2003,ص 328.)
ولعل هذه المحصلة ،لاتخرج عن أطروحة الناقد الفرنسي الشهير (جيرار جينيت ) فيما أطلق عليه ب (التفاعل النصي العام ،وبالتحديد ،في معرض حديثه عما أسماها علاقة (التداخل النصي) ،التي تطل النص _عند الذروة _ على تخوم أنماط خطابية تحولية ؛ تتطلب مقاربات معيارية معقدة ( ينظر : مدخل لجامع النص : جيرار جينيت ، ص109_112).
ومن خلال معاينة عاجلة وفحص لظاهرة التعالق الأجناسي بين القصيدة والقصة ،من حيث تداخل الأدوات البنيوية القصصية مع أبنية القصيدة عند (محمد ناصر شراء ) ؛ فقد خرجنا بمحصلة فحواها :إن التعالق الأجناسي بين القصة ،كنوع نثري ،والقصيدة ،كنوع غنائي _يشكل ظاهرة طاغية ،تكاد تطل على تجربة الشاعر ،من المهد الاشتغالي بالقصيدة ، حتى مرحلة النضج الشعري الراهن .
وقبل البدء بالإجراء التفكيكي المعاين للنص _فأن ثمة ضرورة ضاغطة ، لنقل النص كاملاً ،قبل البدء بالإجراء ،حتى نمضي نحن والقارى ، بمستوى من الشراكة ،لاستقراء فرضية التعالق الأجناسي تلك .
النص
الليلة الثانية بعد الألف *
قطرة من دماء الغسق
فتحت في النفوس طريقاً إلى الخلد
سالت نهوراً من الخمر .. يمتصها أفعوان الرمال
قطرة تلو أخرى ويصحو الرجال
فهذا زمان …
يصنع فيه الرجال الرجال
*
نسيت شهرزاد الصباح
حين صاح المؤذن
كانت تمسج ظهر الملك
وتروي له ما تيسر من سورة “الانفتاح”
* * *
في الشواطئ ينتشر الحلم ،في سعة البحر
ترخى النوارس أشرعة الرحلة القادمة .
وزاد المسافر خبزاً من الرغبة الجامحة .
*
9نسيت “شهر زاد ” الإذان
وقد حبلت بالحكايا الملاح
و”فرعون” ينتظر السفن المبحرات إلى الغرب
من ذا يعيد إلى “شهر زاد ” الصباح؟
في سفر أيامنا القادمة
تراجع قارئة الكف قصة طفلين ماتا بدون ألم
تقول لنا :
رقصتم هنا
وفارس حطين في “القدس ” [ينخسه]عسكري مرور !
**
تقص [لمالكها ] آخر الحلقات
وحين انتهت ،
كانت الأمنيات بعينيه تخبو
وصوت المؤذن يمتص أذنية ،
يصهرها في حنايا الخشوع
* * *
ومضة بعد أخرى وياتي الفرج
قالت اللحظة المستجدة :
أنى بوادٍ يشد دمي وانفتاح عروقي .
فأين المصب
* * *
أدرك الصبح محظية الملك الفاتنة
فكانت ألوف السيوف تعانق جيد الملك
وللمرة الألف من بعد مرة ،
قال الملك :
هذه ليلة مستقرة .؟
* من ديوان (طقوس يمانية ) دار الهمداني ،عدن ,1983م.
منذ الوهلة الأولى يطالعنا التعالق الواسع ،بين السرد والشعر ؛ فالعنوان يضعنا أمام إزاحة أجناسية فجة :
” الليلة الثانية بعد الألف ” ؛ إذ تدخل صيغته بتعالق ،بل تطابق مثير
وصارخ ، مع عنوان مسرود تراثي ؛ يعده النقاد اليوم بالدالة التاريخية
العريضة لحضور السرد القصصي في تاريخ الأنواع الأدبية وهو كتاب (ألف ليلة
وليلة ) ؛ لكن احترافية الناص ،عمدت إلى تصرف طفيف في الصيغة ؛ يضعنا
مباشرة أمام تقويض المدكر السردي/القصصي؛ من خلال تعطيل تراتبية جملة عنوان المسرود الأصل :(ألف ليلة وليلة ) إلى : ( الليلة الثانية بعد الألف ) .
وتعطيل تراتبية النسق (العنوان السردي ) إنما يدل على مواربة فنية ،تمنح
النص / القصيدة ،كثافة دلالية مضاعفة ؛ تتحصل في رغبة الناص توسيع دلالات
النص إلى مدى ،يستطيع فيه النص الإمساك بالزمن التاريخي ومدخلاته الكثيفة،
(الذي شهد حضور مسرود (كتاب ألف ليلة وليلة) ،وإعادة موسقته مع زمن النص /
القصيدة ؛ ليس بهدف المطابقة الثقافية فقط بين الزمنين ؛ بقدر ما يرغب
الناص بإلحاح في المطابقة التاريخية ،بين وضع الأمة السابق واللاحق ،الذي
يكاد يراه الناص ، ثابتاً جامداً لا يتزحزح ؛ مع تفوق السابق ،من خلال
إعلان (شهريار ) ختام النص بقوله :” هذه ليلة مستقرة ” وبين ليالي الملك
الألف والليلة الإضافية ،والليلة الثانية بعد ألف الناص _يمتد الوجع العربي من أقصى التاريخ العربي إلى أقصاه ( وتستمر الحكاية ) وتستمر الأمة على
نطاق زمني غير محدد ، في فضاء من اللاوعي الأسطوري والفانتازي ،الذي ينأى
عن الواقع المادي الشاخص .
وإذا ما عانقنا العتبة النصية الأولى ، بعد العنوان ،المتمثلة في السطر الشعري الأول
ثم مضينا قدماً ،حتى ختام الوحدة البنيوية الأولى _ فسنجد أننا أمام تعالق أجناسي ،بين الأسلوب السردي الفج الممتد بشكل رأسي وبتتالي عمودي _ وأسلوب غنائي/ شعري ، يتمدد بشكل أفقي :
“قطرة من دماء الغسق ”
أسلوب إخباري ، يتوخى وضع ممهد سردي ، يصف الوضع الأصل لمدخلات القص :
(قطرة متدلية من قالب سائل منتظم فوقي )
هذه القطرة تتحرك وتحدث فعلاً في زمن معين وحدث معين (فتحت في النفوس)
والنفوس هنا إضافة تصنيفية لمفردات الوضع الأصل الممهد للقص .
ثم (نهور من الخمر تسيل)
وثمة حدث هنا وفاعل و شخصية ، كذلك أفعوان الرمال ،يمتص نهوراً من الخمر (مشهد سردي)
ثم يتوالى الضغط السردي للأحداث :
(قطرة تلو أخرى ويصحو الرجال) ؛ وكل حدث سابق يدفع بأحداث وشخوص لاحقين .
من جانب مقابل ، فالملمح العريض للنصية الغنائية/ القصيدة ،يتجسد في حضور
الذات / الناص, على شكل ( أنا أفعل ) في النظام القصيدي المستقر ؛ لكن
الوحدة النصية الآنفة ، لم نجد فيها سوى شخوص ( تعدد أصوات ) : قطرة (
تفتح)
نهور من الخمر (تسيل)
النفوس ( شخوص )
أفعوان (شخصية/ يمتص/ يفعل)
ثم انهمار حدثي فعلي للقطرة :
(قطرة تلو قطرة )
ثم
رجال (شخوص لا حد لعددهم ).
يتخذ الناص في هذا النص، وضعاً موارباً لعلاقة الذات الطبيعية ، بالنص ،في المدكر النوعي الغنائي؛ إذ يتموضع بآلية السارد ، على ربوة عالية ، يحاول من خلالها الإمساك بالنص ومدخلاته ،من أمكنة وشخوص وأحداث ، ليشرف على سلوكهم ونشاطهم ،كمهمة السارد في النص السردي .
هكذا يمكن أن نقارب الأدوات والبنى النصية ،لتفضي بناء إلى مدكر نوعي سردي لحظي ، في إطار النص، الفوقي .
إذن ،ماالذي يجعل من النص قصيدة ،حتى تضمنه إشارة دار النشر في غلاف الديوان ، بعد العنوان _بكلمة (شعر ) !؟.
لنضع تفكيكنا للأطر السردية السابقة ( من العنوان حتى ختام الوحدة الأولى من النص ) جانباً ، الآن .
على الرغم من الإيغال السردي المتمثل بمدخلات السرد المتتالية في الوحدة السابقة من النص ؛ إلا أن ثمة ثقل غنائي/شعري ،يبدو ك (سقالات) أفقية ؛ تحبط التوالي السردي الإطاري الهش :
ف ( قطرة ) عضو سردي داخل النص ؛ إذا ما نزعناها من سياق الجملة :
(قطرة من دماء الغسق ) ،والأصل في أن تظل في سياقها ، لتركيب الدلالة ؛
فإذا كانت القطرة تدل بمفردها على واقع مرئي مرصود مصنف من ذات خارج النص ؛ فإنها تحبط القالب التسريدي ،من خلال انضمامها لقالب دلالي من ( اللا
منطق ) اللا وعي : ( دماء الغسق/الصورة ) ؛ فلا بأس أن تكون القطرة (مادة ) بارزة في فضاء ( قالب دائري متحول ومتلاشي ) ؛ لكنها تنضم ( كقطب تركيبي
سميك للصورة الشعرية كثيفة الدلالة ( دماء الغسق ) )التي تأخذ الذهن
وتتوثب به ،من المدكر السردي المتتالي ( المنطق/ الواقع السردي ؛ لتطله على منطقة منزاحة ف (اللا وعي ) : وهل للغسق دماء ،في المنطق ؟. إن تلك
الإزاحة البنيوية المفاجئة ، تمخض وعاءً إيحائياً سميكاً ،ولدت من تزاوج
تعالق المنطق/ السرد ، مع اللامنطق/ الغنائي: ( قطرة من دماء الغسق )
_يستقر بداخله الزمن العربي الذي يشكل محصلة لقطرة دم (سوداء ) ؛ لأنها من
نسل الغسق ؛ تلك القطرة تخترق الأمة بشكل من (النسق الأسطوري/ أفيون الأمة
)،الذي تهطله بلاطات الغسق/ لحكم العاقر الذي لا يحمل شروقاً ولا فجراً
للأمة ؛ ومن ثم تنزاح هنا، وظيفة الزمن ،التي فحواها التحول الإيجابي _إلى
فحوى السلب ؛ وتُعهد، هنا ، صناعة الرجال للرجال ،وليس للزمن المنمي
للرجال، بيولوجياً وذهنياً.
من جهة أخرى فإن التأطير السردي، للبنى
النصية ،يوظفه الناص في استيعاب أكبر قدر من المجد والقوة والأحداث
التاريخية ،التي انبثقت بآثار زمنية رجعية عتيقة ،كتاريخ وواقع ،ثم يعمد
لملاشاتها ومواراتها في مدكرات من التخييل غنائي البنية ؛ لتضع الحقيقة
داخل لجة من الأسطورة المتناسلة .
تستمر الحكاية في الوحدة الثانية ؛ بسرد ووضع مداميك الأسطرة الحاجبة للصباح/ الحقيقة/ التاريخ ؛ الصباح الذي تتأمل منه “شهرزاد ” أن يمخض انفتاحاً ذهنياً ، يثني ( شهر ريار ) عن عادته التي ألفها :
” نسيت “شهرزاد الصباح
حين صاح المؤذن
كانت تمسج ظهر الملك
وتروي له ما تيسر من سورة “الانفتاح ” .
يتواتر أسلوب التأطير السردي للقصيدة في :
(نسيت (حدث/ سرد/ شخصية )
حين صاح المؤذن (حدث/ شخصية ) مع غياب ذات الشاعر
كانت تمسج ظهر الملك ( شخوص+أحداث سردية + تمادي في غياب الذات/ الشاعر =
مشهد درامي : شهرزاد تقوم بتدليك ظهر الملك ،الذي يستدبر الواقع /الزمن /
التاريخ منصرفاً عنه، في ممارسة ملذاته ؛ ويشي ذلك المشهد ، بتمدد الذات / السلطة، فوق الزمن الماضي والحاضر ، معاً .
لكن كل تلك الأساريد
تتناهى بشكل عاجل إلى لجة من الغنائية المركبة المتناسلة ؛ في السطر الاخير ، _تتجسد في التوثب الدلالي والإيحائي المتناسل في بطن الصورة :
(ماتيسر من سورة الانفتاح )
وهنا يبرز الانزياح الكثيف ؛ الذي يضعنا في لجة من الغنائية/ القصيدية :
الرواية / التلاوة
الدنيوي / المقدس
قصة/ سورة
تلك المدخلات المتقاطبة ،بين القدأسة والدنيوية ؛ تشي بكثافة الخلط
الذهني بين الحقيقة والأسطورة في الذهنية الجمعية ؛ وكذا بتمادي الأمة في
المقابلة بين المقدس والأسطوري .
أما من حيث التعالق بين السرد
والغنائية ،في هذه الوحدة ؛ فيما يخص ذهنية المتلقي ،فأنه عند الجملة (
ماتيسر من سورة الانفتاح) تختفي المتواليات السردية ؛ لتطل بذهنيته إلى
فضاء من المطابقة ،بين الواقع المتخيل / والواقع /المنطق ؛ لتنبثق أمامه
صورة قائمة على اللاوعي ،عن طريق المواربة البنيوية بين السرد والغنائية .
وإذا ما حاولنا تتبع كيفية فك الناص للبنيتين النوعيتين المتعالقتين ،فسنجد :
في السطر الاول : نسيت شهرزاد الصباح ؛ فأن القص يبرز في :
ذات غائبة عن النص/القصيدة، متموضعة خارج النص ،يقابلها حضور شخوص وأزمنة
وأماكن ؛ وتلك سمات محض سردية عريضة ؛ بينما في المألوف النظري والبنيوي ؛
فالذات الشاعرة ،هي محور ارتكاز كل ما تبقى من متعلقات النص/ القصيدة ،إلا
أن الواقع النوعي النصي الذي أظهرته البنية ،يتجسد في ناص، ينأى بذاته
خارج النص تاركاً شخوص وأصوات متعددة ،يشرف عليهم ب ( عين الطائر ) تلك
العدسة السردية العريضة .أيضاً تبرز بشكل دينامي المتواليات السردية من
الأعلى إلى الأسفل ،مع تكاثر الشخوص ؛ وتتكثف الأحداث وفاعلوها :
( المؤذن/ الملك/ شهرزاد )
كما يطغى السرد في ظهور أحداث أخرى إضافية .
ومع اتخاذ القص متسعاً من
الأحداث والأشخاص بشكل عمودي متوالي ؛ ينبثق الانزياح في :
” وتروي له ما تيسر من سورة الانفتاح ”
وتتجسد فاعلية الانزياح هنا ،من خلال التقافه المتواليات السردية الهاطلة
من الأعلى إلى الأسفل ؛ لتتناهى جميعها في لجة كثيفة بالغنائية المتناسلة .
من جهة أخرى فيمكن تفكيك قوالب المدلولات في هذه الصورة الوثابة والناسخة للمتواليات السردية في :
( رواية / قصص عجائبي يتلى لشهر يار
و رواية حكي / سورة الانفتاح ) ؛ فالمرجعية الثقافية للتلقي العربي ،تجمع
بتوافق مطلق ،أن لفظ ( سورة) يحمل دلالة أحادية (ملفوظ مقدس) ودائماً ما
يضاف بعدها (اسم السورة في القرآن ) كسورة ( الفرقان / النساء / الحجرات /
الإخلاص …).
ومن ثم فانبثاق الانقلاب على الواقع / المنطق / السرد
،,المتوالي في قوالبه السردية ،من الأعلى إلى الأسفل ،في رقعة الوحدة
الثانية من النص ، من خلال التكثيف الغنائي المفاجى ( الصورة الشعرية ) _
يعمد لإزاحة القص الممتد الكثيف وملاشاته داخل سقالة أفقية من الغنائية
البديلة ،عبر وعاء من الانزياح الدلالي الوامض بشكل من الدينامية الإيحائية المضاعفة ف :
(تروي / سورة) تركيب انزياحي يعلن نقطة انطفاء وانقطاع
المتواليات السردية ،وبالتحديد عند ( سورة ) ،مرة في رقعة النص ،وأخرى في
مساحة ذهن المتلقي ،الذي يجد نفسه أمام تحول وانزياح ذهني ،من منطقة الوعي ،إلى منطقة اللاوعي/ التخييل الاستثنائي ؛ لأنه من الطبيعي أن يقابل
التحول الحاصل في رقعة النص ، تحول وتبدل في مناطق ومساحات الذهن ،ومن ثم ف (سورة) تعد بمثابة ومضة غنائية صغرى تطل على ومضات غنائية أكثر سطوعاً
،ثم أكثر تبديداً للمدكر السردي السابق.
إلى جانب الصورة الشعرية ،
كأداة وعمود سميك في بنية النص القصيدة ؛ عمدت إلى تبديد المتواليات
السردية الإطارية ،في الوحدة الثانية _فأن الإيقاع / القافية / الوزن _
يمنح النص القصيدة ،كثافة غنائية معاضدة لكثافة الصورة الشعرية ،وحاسمة ؛ ف ( الانفتاح ) اللفظة الختامية في الوحدة ؛ تساعد في إسدال الستار النهائي
،عن المدكر السردي ؛ من خلال استقطابها ( الصباح) في نهاية السطر الاول في
الوحدة الثانية :
“نسيت ” شهر يار ” (الصباح )
حين صاح المؤذن
كانت تمسج ظهر الملك
وتروي له ماتيسر من سورة ( الانفتاح )
إذ يبطل الصوت المجانس ( الانفتاح ) اصطفاف ( الصباح ) في المدكر السردي
من السطر الأول ؛ ليستقطب ( الصباح ) في معادلة غنائية صوتية ،جديدة ؛ بما
يدعم ويعاضد أثر تجلي الصورة الشعرية ،في إسقاط إيغال الإدخال النوعي
السردي وإزاحته نهائياً .
يتبع …….