- عبدالحكيم الفقيه
(1)
لست أعرف شيئا
أنا جاهل لم أع غير جهلي المركب
امشي مع الناس في الطرقات
وامضغ قاتا كثيرا
وأصغي لصوت المذيعة
أقرأ ما يكتب الكاتبون
وأرفع كفي ووجهي حين يحين الدعاء
وأنفق عمري يوما ويوما وجرحا وجرحا
وفي كل يوم تضاف المخاوف
لا أعرف الأمس كيف مضى وأنقضى
لم أع كيف أجتاز يومي
ويرعبني الغد قبل يجيء
أرى الناس لكنني لا أرى الناس فيهم
وألقي التحية للظل والشجرات
وفي القلب حب لكنني لست أعرف كيف أحب
وفي القلب حقد ولكنني لست أعرف من يستحق الخصام
فقدت الرؤى
وتلاشى الوضوح
أسير بلا جهة
واظل بلا رغبة
واعيش بلا غاية
دمعتي تتبدد كالماء فوق الصخور
وصوتي يسافر منكسرا كالضباب
وظلي يرافقني رحلة التيه والاضطراب
أنا وجع من عظام ولحم
أنا ورم في الفؤاد
أنا صورة لا اطار لها
وأنا لوحة لا جدار لها
وأنا وطن مفعم بالضياع.
(2)
مضت سنوات الطفولة كالحلم
فر ازرقاق السماء
وفرت اغاني الرعاة
استطالة وجهي حين احدق في اّلة الضوء فرت
وارجوحة الحبل في رمضان
وبيض الحمام
وبالونة العيد
طعم الحكايات في امسيات الزمان البعيد
فر النشيد
وفر الطباشير من جيب كوتي الوحيد
وغابت فطائر امي وامي
وغاب ابي ومداعته والسراج
وهاجرت الارض عن ارضنا
والسنابل فرت
وشاخت أزقة قريتنا
والمدى ضاق
والاكسجين تناقص
مات النهار الجميل
فما عاد في الغيم ماء
وما عاد في الشمس الا الضباب
أنا صورة لا اطار لها
وانا نقطة هجرتها الحروف
وبي قلق وأسى ووجوم.
(3)
الكلام غبار من الكذب المتكدس فوق القلوب
العيون نوافذ سجن بغيض يفتش عن أي شيء نقي كحلمي
الصداقة وهم
هل الكون اكذوبة من خيال
تمنيت حتى القليل من الحلم
لا شيء يزهر في هذه الأرض الا البكاء
اللغات سكاكين مصقولة بالوريد
كأن الأنام جلود معبأة بالردى
في المدينة شيء من الخوف
لا يشبه الخوف من نعش مسجد قريتنا
في المدينة وقت تفخخ
لا تدرك الشمس إلا قبيل الغروب
تمر البنادق والجند دون عقول
يمر المجانين ليلا وصبحا وعصرا
وينسكب الناس في السوق كالقيء
كنت صغيرا
أصون حقيبتي المدرسية من بلل الغيث
كنت اسد ثقوب حذائي بالطين
اركض فوق الرصيف الترابي
انتظر الوقت يجري
افكر في زمن سيجيء جديدا
ويمحو غبار الأسى المتكدس فوق الصدور
مضت سنوات وجاءت سنون
تراكم همي وخوفي
وداست خيول القنوط الازاهير في مرج حلمي
حاصرني الموت كي تستحيل الاماني رمادا
وعن سروة الحلم
هرولت في مدن الخوف
ابحث كالقروي الغشيم
انا صورة لا اطار لها
وانا ورق شردته الغصون
(4)
ركبت بساط القصيدة
ذقت فطير الجنون
تجولت في عالم الريح واللون والجن
والكائنات التي تمضغ القات
صافحني الغيب
ابصرت عبر ثقوب الضباب الى سرة البحر
اشعلت سيكارتي بالنجوم
صنعت طيورا من الدمع
زخرفت منقارها بالشموس
كتبت على ناهد الشمس برجي ولوني المفضل
ادمنت نخب الشرود
فلا بدد الشعر حزني
ولا حركتني سواكن تفعيلتي
وردة العمر ضامرة
وبحور الخليل يغادرها الماء
والمطر الحلم ينأى
تشققت الروح والقلب والاغنيات
انا لغة لا حروف لها
وانا صورة لا اطار لها
وانا لوحة لا جدار لها
وطني كفن ونحيب
(5)
تتمزق في دفتر العمر اوراق عمري
يشعلها الخوف في موقد اليأس
يجلدني الذعر
تنبح ضدي الكلاب
وتعوي الاذاعة والطرق الدائرية
والكرفتات في واجهات الجرائد
تأخذ مني الوظيفة عقلي
وتمنحني كسرة تتبلل بالذل والدمع والانكسار
انا واحد من رعايا الاسى
واحد من ضحايا البلاد التي ساسها الغول
وافترس الزرع والماء والنفط والامنيات
انا واحد من ملايين ارض معرضة لليباب
سأدعو لها بالغيوم
واعصر قلبي قصيدة شعر
وامدح شعرا وبحرا اذا يطلقان البخار
وللريح حين تسوق السحابة ما يعزف العود
يا ايها المطر الحلم: لا تبتعد
بلدي تستعد
فلا تبتعد
بلدي عاطش جائع واليم
انا وردة في اصيص الضمور
مغلفة بالغبار الكثيف
وحشرجة من نشيح الاريج انا
وانا القروي الغشيم
(6)
كانت الارض دائرة
والفصول تجيئ بأوقاتها
صارت الارض ساكنة
والجفاف يطول
هل يعود لها رشدها وتعود لناموسها وتدور؟
فمتي يلبس المطر الحلم ثوب الهطول؟
أنا همزة فوق واو السؤال
أفتش عن نقطة تحت باء الجواب
أنا القروي الغشيم
(فأين الطريق الى أى شيء)
- تعز
مايو
1998