- كتب : حمدي أحمد
في الماضي كان شروط ظهور المطرب، امتلاكه لصوت جميل وتمتعه بأداء جيد،
وانسجامه البارع مع ملحن متميز يمنحه فرصة النجاح بإنتاج أغاني رائجة؛ يكون سبب شهرته، هذا إن لم يكن الفنان ذاته مؤلفاً موسيقياً وكاتب كلمات،
ليتأهل بحصوله على نجومية مضاعفة.
أما اليوم فصوت المطرب وأداؤه ليسا كل شيء، بل هما بوابة عبور إلى عالم مختلف يؤدي فيه دوراً آخر.
هذا الدور الذي أصبح من شروط النجومية تبرز ضرورته من العناية الخاصة
بأسباب حضوره والتركيز على أسرار تأثيره المبهر؛ ظهر الاهتمام به حديثاً
حينما سادت ثقافة الصورة أواخر تسعينيات القرن الفائت الذي أفرزه التطور
التقني وأصبح أثرها هاماً في الكثير من المهن، والركيزة الأساسية لأصحاب
المغنى وأهل الطرب.
فالمطرب غدا عارضاً وموديلاً أكثر من كونه صوتاً
عذباً يمتع سامعيه ويسعى لتقديم أفضل عطاءاته الإبداعية من إنتاج ذي قيمة
يضاف عبر تراكم زمني لإثراء رصيده الفني الذي في الغالب يظل أثره مستمراً
بعد موته، لأجيال.
تنبهت شركات الإنتاج الفني إلى هذا الدور الذي
سيلعبه المطرب حينما أدركت سحر الصورة على المشاهد المأسور بالإبهار
المرئي، وهو ما جعل منتجاتها (أي المطربين) تحقق رواجاً يحقق لها أرباحاً
طائلة ويضمن للجميع حياة رغيدة.
هذه الأرباح لا تُجنى عبر بيع
الألبومات الغنائية للمطربين، وحتى لو ابتاعت كميات كبيرة من تلك الألبومات فهي لا تكون سبباً في تحقيق الثراء لهم. فالعائد المادي من بيع الأغاني لا يستحوذ عليها المطرب وحده، بل توزع كحصص متفق عليها مسبقاً لمدير الأعمال
وشركة الإنتاج ومن يتم التعاقد معهم كفريق عمل، من شعراء غنائيين وملحنين
وفرق موسيقية إلى جانب من يقومون بخدمات التنسيق والترتيبات لإنجاح العمل.
ولزيادة العائد المادي وتضخيم حجم الحصص، ذهبت شركات الإنتاج الفني
لابتكار توليفة جديدة لمسار المطربين لتقدم منتجها ليكون متعدد الأغراض
ويمنحها علاقات تجارية واسعة بين رجال أعمال مهمين وشركات عملاقة عريقة،
وهو ما يتيح لها حيزاً جيداً لحضور مميز وسط القوى الاقتصادية.
منتجها
لا يتوقف على بيع صوت شجي يمتع السامعين، إنما يغدو مسوقاً ماهراً لمنتجات
مختلفة؛ أي يصبح فترينة عرض لأرقى الماركات العالمية. مما يؤدي إلى حدوث
نشاط فعال بين الطرف الأول وبقية الأطراف، تجمعهم مصالح مشتركة.
الاتفاق التجاري بين شركات الإنتاج والشركات الأخرى، تتركز غالبيتها على
نجومية المطربة أكثر من المطرب، لما لدى المطربة من مؤهلات طبيعية تمكنها
من الاستحواذ على صدارة المنافسة التجارية. فجسدها بإطلالته الخلابة يتحول
إلى مروج محترف لعدة منتجات في تصوير الفيديوكليبات وإقامة الحفلات في عدد
من المدن العربية والأجنبية؛ تسريحة الشعر، أدوات التجميل، أزياء، أحذية،
مجوهرات، نظارات، ساعات، أثاث، تحف، زخارف؛ لتحصل على نسبة مالية متفق
عليها من كل شركة تقوم بالترويج لمنتجاتها. وهذا هو سر الثراء السريع الذي
تحصده المطربة. وفي آخر مقابلة لها على برنامج “هيدا حكي” حينما سألها مقدم البرنامج (عادل كرم) “أد أيه بتصرفي على تيابك” أجابته “بشغلي تيابي
بيصرفوا علي”.
أما المطرب فترافقه في العادة موديل أو ملكة جمال تقوم بدور العرض لتلك المنتجات.
ولأن المطربة كفترينة عرض، فهي لا تمضي بحياتها بناءً على رغباتها أو
بإمكانها ممارسة سلوكيات قد تكون رعناء في بعضها، تتوافق مع مزاجها الشخصي
والمتقلب؛ إنما تلتزم بمسار محدد لها ومرسوم بدقة من قبل شركة الإنتاج وما
يتفق عليها (البيزنس) مع الشركات المختلفة. فتخضع المطربة لسلسلة من عمليات التجميل حتى تصبح وجهاً مغرياً يحمل هيام الإغراء ويجذب لهفة العشاق، كما
يتوجب عليها الالتزام بنظام غذائي صارم، إلى جانب ممارسة عدد من التمارين
الرياضية يومياً لتحافظ على قوام رشيق جذاب وأن تحرص على الظهور كل مرة
بإطلالة جديدة ومحيا مبالغ في تأنقه. ومن الضرورة أن ما تحمله من بهرج وما
يلف حول أعضائها من صناعات باهظة، يكون آخر صيحة في السوق العالمي، وهي
الوحيدة فقط من لديه استحقاق الصدارة بإعلانه للجمهور المستهلك لجذب أكبر
قدر ممكن من ذوي الشريحة الميسورة لإيداعهم كعملاء جيدين لأصحاب المنتجات
المروج لها.
ولا تكتفي المطربة بالترويج لنوع واحد لإحدى المنتجات في
الأغنية المصورة، بل تظهر بأكثر من هيئة وملبس ويتعدد أماكن تصويرها
باختيار مناظر سياحية فاتنة. فمثلاً الفنانة أليسا في إحدى فيديو كليباتها
ظهرت بحوالي سبع فساتين تتميز ببهاء الألوان وأناقة التصميم، تحمل آخر
تقليعات الموضة، وطبعاً في كل رداء جديد يتغير كل شيء فيها؛ تسريحة الشعر،
المكياج، المجوهرات.. الخ، ضمن تشكيلة باذخة لأرقى الماركات العالمية.
الاختلاف الجوهري بين مطرب الأمس واليوم أدى إلى حدوث انحسار ملموس لدى
الأخير في مدة أغانيه وعدد ألبوماته، وهذا الانحسار يعود إلى أن مطرب اليوم لم يعد معولاً بالدرجة الأساس على إنجاز أكبر قدر من الأغاني كما كان
الحال عليه في مطرب الأمس لحيازة مركز مرموق في الوسط الفني، بل ينصب جل
اهتمامه على تقديم فيديوكليبات، إذ تصل الأغاني المصورة من الألبوم الواحد
من ثلاثة إلى أربعة أغاني وربما أكثر.
اليوم غدا الاهتمام بأخبار
الفنانين والمطربين في مواضيع الحديث عنهم في الصحف والإعلام وفي البرامج
الحوارية، يتركز في غالبيته على التصوير واللباس وتسريحة الشعر وبقية
مكملات الزينة ويمضي بالتنزه عبر أروقة الموضة وجولات مكوكية في عالم
الرفاهية، والتطرق عن مدى النجاح في التعاقد مع عدد من الشركات العالمية
الهامة للإعلان على منتجاتها. ويتشعب الحديث في اتجاهات عدة ومسارات
مختلفة؛ إلا أنها لا تخرج عن المجالين التجاري والإعلاني. ولا يبقى للحديث
عن الغناء والكلمات والألحان سوى حيز ضئيل يذكر في الختام كملء فراغ هامشي، وقد لا يذكر مطلقاً؛ لعدم وجود مساحة كافية في المقال أو لضيق وقت
البرنامج التلفزيوني.