- كتب: ضياف البراق
الكاتب الذي لا يثيرني، لا يعجبني. دائمًا ترهقني قراءة الكتاب
المُمِل. كم أعشق ذلك الكاتب المتمرد، الذي يجعلني أرقص بخشوع، وكذلك الذي
يجعلني أسافر معه، بشغف، إلى عوالم جديدة لا أعرفها من قبل. الكاتب الذي لا يدهشني، ولا يزعزع شيئًا في دخيلتي، فروحي لا تسافر معه، وذهني لا يرتاح
إلى كتابته. الكاتب الجيد، الحقيقي، هو فنان بارع، وهذا، بالطبع، بمقدوره
إثارة وتنوير القارئ دون تكلُّف وابتذال. ومن الكتّاب الذين يثيرون إعجابي، ويضيفون إحساسًا رائعًا إلى حياتي، الكاتب الثلاثيني الشفّاف، وسام محمد.
وسام، الصحافي الجريء، ذو الطاقة الإنسانية الكبيرة- قرأتُ له، في البدء،
في صحيفة الشارع، ثُمَّ في وسائل التواصل الاجتماعي، وبخاصة فيسبوك، وها
أنا اليومَ أقرأ له (تفاصيل مُبكِّرة): كتابه المُمتِع جدًّا، وهو الأول
طبعًا، وقد صدر حديثًا بدعم من “بوك تايم” (أول متجر إلكتروني لبيع الكتب
الورقية في اليمن)، ولكنه يستحق فعلًا أنُ يُقتنى، كما يستحق أيضًا أن
نحتفي به، بعناية تامة، كمثقفين. ومن الضروري هنا، أن أشكرَ صديقي الرائع،
عبد الله السامعي، الذي أعارني هذا الكتاب، ما أتاح لي الفرصة الكافية
للتعرّف إلى حقيقة كاتبه بصورة معمَّقة. طبعًا، لشدة إعجابي بكتابات وسام،
ونظرًا لقدرته الكبيرة على السرد، ولغزارة معلوماته الثقافية، كنتُ أتساءل
مع نفسي في كثير من الأحيان: لماذا، وسام، لا يشتغل بالتأليف، أو لماذا لا
يكتب رواية، على الأقل؟ وأخيرًا، وبعد تفكيرٍ طويل، عرفتُ أنَّ مسألةَ
التأليف تتطلب من الكاتب، أولًا، أن يكون نشيطًا، لا كسولًا. يعترف وسام،
في تفاصيله المبكرة، بأنه “شخص مشهور بالكسل”، وهذا هو الجواب الكافي للرد
على سؤالي ذاك. وأيضًا، يعترف بأنه مُتْعَصِّبٌ للرواية، بل ويعتبرها بأنها ” أرقى شكلٍ فنّي يمكنُ للبشرِ أن يصلوا إليه حتى الآن، بغض النظر عن فكرة الريادة”. وها هو يخبرنا عن نفسه: “أنا كائنٌ لا أعرف شيئًا قبل الكتابة”.
باختصار، تفاصيل مبكرة، كتابٌ مُهِم، غني المضمون، يتكون من مجموعة مقالات مختلفة، قصيرة وطويلة، جميعها شهية؛ ذلك لأنها مكتوبة بأسلوب أدبي فريد، غير تقليدي، وتحتوي على أفكار رائعة مفعمة بالبساطة. جميع مقالات الكتاب، تخلو من الحشو المُضجِر، ومن الاستعراض القاموسي غير المجدي، ومن التعقيدات الاِصطلاحية التي تخنق طاقة القارئ، وتعكِّر صفوَ مزاجه. هذا الكتاب، الذي أَكملتُ اليومَ قراءته، يحمل إلينا رسائل ثقافية نبيلة، وتفاصيل إنسانية مثيرة، جذّابة، ومُضيئة. فنحن أمام كاتب صادق، يجيد العزف على الحروف، ويتقن الدخول إلى أعماق قُرّائه، بروح حُرّة.
بالتأكيد، وبلا نفاق، أُعجب كثيرًا بروح هذا المثقف “العضوي” الواسع الأفق. إنه إنسان خلّاق دومًا، روحه ليست عادية على الإطلاق. تلك الأرواح العادية، أو الجافة، لا تصلح البتة للكتابة. كتابة وسام متميزة، لذيذة، لها نكهة حداثيّة خاصة، وكل هذا الإبداع، إنما هو نابِعٌ من أعماق روح عظيمة جدًّا، هي روحه نفسها. وبتعبيرٍ أفضل، ليس من فرق بين كتابة وسام وبين روحه المتمردة والطيبة معًا. فالكاتب الصادق، أو الذي لا يُقلِّد، هو الذي لا فرْقَ بين كتابته وبين روحه، وهكذا أنظر إلى وسام. نعم، أُعحب كثيرًا بكتابته المُشَوِّقَة، غير المعقَّدة، الخالية من أضرار التصنُّع التي تصيب القارئ بالاشمئزاز والملل. أمّا البساطة التي يكتب بها، لا شكّ أنها تدهشني دومًا. في مجال الإبداع، سِحْرُ البساطةِ لا مثيل له. والأهم من ذلك، هو أنني أُحِبُّ “فَهْمَهُ” العميق للحرية، وعشقه الشديد للثورات، وكفاحه الثقافي النبيل، والمتواصل، من أجل كرامة الإنسان المسحوق، أينما يكون. وسام، هو هذا الإنسان الخلَّاق، الأصيل، الجميل، الذي لا يمضي إلّا نحو المستقبل الأوسع، ومن أجل عالَمٍ إنساني أفضل.