- كتب: نبيل الشرعبي
فيما كانت العاصمة المؤقتة عدن جنوب اليمن وتبعد حوالي 265 كيلو متر عن العاصمة صنعاء، تعج بروائح البارود وبقايا أشلاء الجثث المتفحمة ودوي القذائف والاشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي تسرق السكينة وتحجب أصوات واستغاثات المواطنيين العُزل، غادر أسامة محمد عبداللطيف الحسامي رحم أمه إلى صخب الحياة ليعيش منذ اللحظة الأولى لميلاده في غمرة حرب تنهش البلد..
مولود فجراً
في الساعة الأولى لفجر الخامس من شهر أيلول سبتمبر 2015، وبعد ساعات طويلة من التكتم على آلم مخاض الولادة وعلى صوت دوي القذائف ووسط ظلام دامس يغطي المدينة_عدن، امتدت عزيزة على الفراش_28عاماً، وجوارها زوجها ووالدته، وبينما تحاول كتم صراخها إندلق أسامة من رحمها ليكون الطفل رقم 5 في أسرته.
ندى، دعاء، رؤى، حسام وأسامة، خمسة أشقاء من والدتهم التي حذرها الأطباء من تكرار الحمل أكثر من مرتين بسبب فصيلة دمها (-A) المتوافقة مع فصيلة زوجها، لكنها لم تآبه لتحذيرات الأطباء مؤمنة بأن الوفاة مرتبطة بنهاية ربانية مكتوبة..
“أسامة” “حمزة”
أجمع كبار الأسرة وأب المولود
الخامس على تسميته حمزة، فيما والدته وأشقاءه ندى، دعاء، رؤى، حسام أصروا
على تسميته أسامة، وهي التسمية التي كان يستجيب لها حين مناداته بها ليصبح
أسامة..
كان الخوف يخيم على أسرتي عزيزة وزوجها جراء حملها الخامس وكذلك زوجها ونصحوها ومثلهم الأطباء بإجهاضه لكنها رفضت يساندها أطفالها الذين ينتظرون شقيقهم الخامس بفارغ الصبر دون إدراك لمخاطرة حملها هذا، وكان القدر لطيفاٌ بأمنية الصغار وتشبث الأم بجنينها..
في اليوم الثاني
غادرت ندى، دعاء، رؤى، حسام وأسامة ووالدتهم محافظة عدن أواخر العام 2017
نحو ريف شرعب السلام بمحافظة تعز حيث تنحدر أصولهم منهم ووالدهم من شرعب
الرونة، فيما بقي والدهم في عدن ليوفر لهم سبل الحياة الكريمة..
ورغم أن ندى، دعاء، رؤى، حسام يتسابقون على خدمة والدتهم وتدليلها، إلا أن أسامة فاقهم في معرفة ما الذي يبهج ويسعد والدتهم..
في اليوم من وصول الأسرة بلدتها الريفية التي كانت تحتفي بفصل الصيف، إنسل إسامة خفية من البيت وفيما علي ونور والدي أمه وأشقاءه يبحثون عنه، عاد من طريق آخر يحمل لوالدته روزنامة ورود برية قطفها بأنامله الطفلة الصغيرة وروحه الكبيرة..
قدم الورد لأمه ليعلو صوتها بالبهجة والدهشة والسؤال كيف عرفت أني أحب الورد كثيراً، وأجابها أنا جيت من روحك وأعرف ماذا تحب روحك..
أمنيات الورد
ارتبط أسامة وبقية أشقاءه بالريف والبيئة الخضراء المتنوعة، وكل يوم
يتوجهون نحو التلال والمدرجات القريبة من المنزل ويجمعون الورود والزهور
ويقوم أسامة بتشكيلها بعشق وخيالات طفولية ترسم ماذا يختلج في روح والدته
من أمنيات الورد والزهو التي تحتاجها كل يوم على إنفراد..
صار أسامة وأشقاءه حديث الريف، فقد رفضوا حتى ألعاب الأطفال خاصة التي تحاكي الأسلحة مفضلين الورد والزهور ليصنعوا حياة تختصر العيش بسلام..
وهكذا ولد أسامة وسط ركام الحرب، وصار عاشقاً للورد والزهور وليس عاشقاً للحرب والبارود، فهل يدرك تجار الحروب أن السلام المتجذر في عمق الأفئدة لن ينطفئ مهما أوغلوا في بث الحقد والكراهية..؟..
سينتصر الورد
فكما انتصرت عزيزة على الموت سينتصر حب الورد والزهور في روح أسامة سينتصر على الحرب وتشوهاتها، فأسامة بحبه الورد والزهور يختصر أمنيات ملايين اليمنيين التواقين للسلام والورد والزهور.. فلينتصر الحب والسلام والورد والزهور على الحرب.. فقد استبدل أسامة اللعب التي تحاكي السلاح بالورد والزهور وهو المولود وسط ركام الحرب، وهذه رسالة عما يتشكل في وعي اليمني الرافض للحرب..
المجد للسلام والحب والورد والزهور، والفناء للحرب والبارود وتجاره..##
تنويه:
مرفق صور لبوكيهات ورد من تصميم الطفل أسامة وصورة له مع شقيقه حسام.