- ماجد زايد
أخيرًا تمكنت من مشاهدة #الجوكر، فلم العقد الأخير وبجدارة، هذه أعمال الكبار حين يقدمون أفكارهم وأعمالهم، يصيبون متابعي العالم بدهشة لا يفيقون منها أو يمرون أمامها بصمت على الإطلاق، دهشة في أساسها تصويرات وجودية متصلة بواقع الحياة البشرية وإنفصالاتها الطبقية بين فئتين.. إحداهما تملك المال والثروة والسلطة والشهرة والإخرى مجرد أناس كادحين لا يكاد يلتفت إليهم أحد في طرقات المدينة، وإن ماتوا على الأرصفة القذرة مشى فوقهم الأخرين دون إهتمام.
“أرجو أن يكون موتي مريحًا أكثر من حياتي”، هكذا كتب البطل أرثر فليك إمنية حياته في مذكراته
اليومية، هو تعبير مجازي عن واقعه المعاش في عالم غارق بالفوضى والفساد
واللامساواة والحروب واليأس الشامل؟!
كيف يمكن للمجتمع الفاسد أن يحول أبناءه إلى النسخة الأسوأ من أنفسهم؟!
هذا ما يجيب الفلم عنه تمامًا.
آرثر فليك رجل بسيط ونحيل للغاية يحاول أن يصنع له مستقبلًا ويعتني بأمه المريضة في نفس الوقت، كان آرثر يعمل حاملاً للافتات المحلات التجارية ويرتدي زي المهرج كي يلفت أنظار المارة إلى العروض التجارية التي يقدمها المحل، ولكن حلم آرثر كان مختلفًا وبعيدًا كل البعد عن عمله، إذ حلم بالعمل كستاند آب كوميديان يكتب النكات ويصنع البهجة ويرسم البسمة على وجوه المشاهدين، هذا الحلم المتعمق فيه تحول الى هوس بالشهرة، ومع الإيام ظل أرثر متمسكًا بوهم حصوله على فرصه يومًا ما، أرثر لم يتخل عن إيمانه بقدرته المطلقة وغايته الوجودية على الإبداع الكوميدي حتى لحظاته الأخيرة في سياق البشر الدونيين.
نبذ المجتمع له وشعوره الدائم بالفشل في داخله حول مشاعره من الهدوء إلى الجنون، من الشعور بالدونية الى الإنتقام، أصبح أرثر القاتل الغامض بزيّ المهرج بطلًا شعبيًا للفقراء الذين أرتدوا أقنعة المهرّج وحملوا لافتاتٍ تقول: «جميعنا مهرجون»، وبدأوا بالثورة على النخبة، على طريقة «احتلوا وول ستريت» وحركة «مناهضة الفاشية» للانتقام من الرأسماليين. ومن الرموز الأساسية التي تظهر غياب العدالة.
الفيلم في خلاصته ينحاز للفقراء في مواجهة الأغنياء في مجتمع لا يوجد فيه سوى نوعين من البشر؛ من يملكون ومن لا يملكون. هناك تفاوت هائل في الثروة بين الطبقة الحاكمة المتعجرفة والطبقة العاملة المطحونة.
هذا النوع من السرديات يثير روح الإلهام في نفوس مشاهديه، وهذا النوع أيضًا يخيف الطغاء والمستبدين أكثر، وفي المقابل تجدهم يمارسون تحريضًا مفتعلٍا عليه وتخويفًا من مشاهدته بمبررات التأثر بالمكتئبين والمرضى النفسيين، محذرين في ذات الوقت من الفوضى والسير خلف أوهام المهووسين بالإنتقام من الشخصيات المرموقة والناجحة.
أرثر في ثنايا حيرته الطويلة كتب صمن مذكراته عن هؤلاء البشر الذين يعلمون بمرضك النفسي لكنهم وفي نفس الوقت يريدون منك أن تعيش معهم بلا مرض، مالم سيسخرون منك ويهاجمونك، لكنه في النهايات حين تصدر الأضواء قال عنهم، لم يجيدوا الغناء لأعفو عن حياتهم، كأنه يقول; لم يكونوا يستحقون الحياة لبشاعتهم، مع علمه بأهميتهم في طبقة المتعجرفين، وفي الأخير قال عن حياته المسحوقة بالبؤس والدونية والخذلان: حياتي مجرد كوميديا، كتعويض ضميري ونفسي عن فشله في حلم حياته الوحيد. حلم الوقوف في المسرح.
هذا النوع من الأفلام يستحق المشاهدة حالًا، وليذهب الأغنياء المتعجرفون الى الجحيم.