- بقلم: نبيل علي الشرعبي
تلقيت عقاب من معلمي 10 ضربات في كلتا يدي، لأني تأخرت ليس على طابور الصباح فحسب بل حضرت بعد مرور حوالي 10 دقائق على بداية الحصة الأولى.
العقاب لم يتوقف عند الضرب والتوبيخ، وإنما استحقيت عقاب ثانٍ وهو الوقوف على رجل واحدة مدة 5 دقائق وجهي إلى السبورة، ويا ليت كان هذا كل شيء، بل قبله تلقيت عقاب في المنزل وحرمان من كأس الشاي الأحمر مع النعناع والهيل_ ياااااه شلال خمرتي آنذاك.
هذا حدث لي في صباح يوم شتوي بارد أيام طفولتي والعام الأول من إلتحاقي بالمدرسة..
قبل أن تشرق الشمس وكطفل ريفي يتوجب عليه أن يصحو مع آذان الفجر ليصلي في المسجد ثم يعود إلى المنزل ليحمل وعاء 10 لتر على أقل تقدير لجلب الماء من النبع والعودة سريعا ليحظى بالافطار الجماعي مع أسرته واحتساء كأس شاي أحمر بالنعناع والهيل، وحمل حقيبته_ عٍلاطة القماشية التي تخيطها الأمهات من أكياس الأرز يدويا، والهرولة سريعا نحو المدرسة مسافة كيلو متر، والوقوف بطابور الصباح قبل أن يأتي معلمو المدرسة وتنفيذ برنامج الطابور اليومي.
أعود إلى ما حدث لي. السبب بيساطة في صباحات الشتاء الريفية الباردة يهطل الندى وهذا يستهوي الفراشات الملونة جدا فتنتشر على الطرقات والحقول.
في ذاك اليوم لمحت فراشة بألوان زاهية وفريدة، وقفت أتأملها وهي تتخبتر في تحليقها والاستقرار بدلال على بقايا العشب.
ركنت وعاء جلب الماء جانبا وقررت الامساك بها، وبدأت رحلة مطاردة من حقل إلى أخر ولم أتوقف إلا مع قدوم صوت يفلجني رعبا إن وصل إلى سمعي وأنا ما زلت في طريقي إلى المدرسة وهو صوت معلم سوداني “فووووووووففف” أول ما يستهل افتتاح الإذاعة المدرسية ينفخ في الميكرفون ليتأكد من أنه يعمل.
أرتعدت فرائصي، توقفت عن ملاحقة الفراشة وبخفة طرت إلى وعاء جلب الماء وإلى النبع وملاءته وعدت إلى المنزل وقبل الولوج إلى المدخل أمام منزلنا تلصصت ولم أر جدي رحمه الله ورحم كل الراحلين الأنقياء وهذا مهم جدا، نجوت من عقاب يطرحني أرضا_ ضربة بعصا خيزران غليظ كان يتوكأ عليه جدي رحمه الله حرصا منه على تعليمي.
طرت إلى الداخل وبسرعة التقطت قرص الخبز وعلبة الحقين البلدي مع السحاوق البسباس وكنت اعمل قضمة وأرتدي قطعة من الزي المدرسي، والتقطت الحقيبة وربطتها على ظهري وفي كل يد فردة من أحذيتي وجري دون مبالاة بالشوك والأجحار.
وبعد الحصة الثالثة دق جرس الراحة، غادر معلم الصف وخرجت إلى ساحة المدرسة لاتحسس قدمي الصغيرتين. يا إلهي كم عدد الشوك واحدة خمس عشر ودماء في مقدمة الأنامل وظفري سبابتي القدمين مكسورين. لا يهم لن أدع تلك الفراشة في صباح الغد تفلت مني.
وصباح اليوم الثاني عدت إلى حيث توقفت بالأمس وشرعت بالبحث عن الفراشة ولا أثر لها. وصل إلى سمعي الصوت الذي يفلجني “فووووووففف” أكملت مهمتي وجلبت الماء.
العقاب لم يكن نفس عقاب الأمس بل زاد ضربة بعصا الخيزران من جدي رحمه الله، ونفس عقاب الأمس حرمان من كأس الشاي بالنعناع وجري حافي القدمين وشوك وارتطام بالاحجار، وفي المدرسة تضاعف العقاب إلى 15 ضربة و10 دقائق وقوف على قدم واحدة ووقت الراحة تنظيف كل الورق من حول المدرسة.
في المساء رقت شقيقتي لحالي وسألتني عما حدث وأخبرتها .. إنها الفراشة، اخفت ضحكتها وسحبت أذني برفق نحوها وهمست قائلة: هذا درس لك، لا تلاحق فراشة ولا “بنت” وإلا سيحصل لك نفس هذا العقاب.
إنها الفراشة. دفعت من إجلها مهر عظيم.
في صباح شتوي هل جربت ملاحقة فراشة مثلي وماذا حدث لك؟.





