- بقلم: د. عبدالعزيز علوان

جرائم تحمي نفسها… منظومة فساد تعز
تعز، الغارقة اليوم حتى أعماقها في المياه العكرة، أو لنقل في المستنقعات التي تتغذّى منها منظومة الفساد بكل أبعادها، لا تحتاج إلى خطابات عاطفية، ولا إلى بيانات إدانة صادرة عن المؤسسات الرسمية أو المدنية. ولن ينفعها، كما لا ينفع رأس الواقع المحلي المتمثل في اللجنة الأمنية والعسكرية، الذي يهرع بعد كل جريمة ممنهجة لإصدار بيانات إدانة — فيما تُنفَّذ هذه الجرائم بأدواته نفسها. هذه البيانات لم تعد تجدي نفعًا، بل صارت كذر الرماد في عيون المواقع الإخبارية.
تكرار الأحداث: قراءة متأنية
عند قراءة الأحداث الجهنمية التي شهدتها تعز، يتضح أنها ليست حوادث منعزلة، بل حلقات في سياق دلالي هش، تخلقه أعطاب الأجهزة الأمنية والسياسية والعسكرية. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن العمليات المتكررة تنبع من ذات المنظومة الإجرامية التي تحمي نفسها. وليس الحديث هنا اتهامًا بلا دليل؛ بل دعوة للقارئ الحصيف، والباحث البوليسي والعسكري، إلى العودة إلى أرشيف البلاغات ومحاضر إغلاق المكاتب والمؤسسات، ليتحقق بنفسه أن هذه المنظومة تتكاثر وتتحصن بأدوات لها تاريخ صلاحية محدد، تُستبدل عند الحاجة بأدوات جديدة تُكمل الدور نفسه.
هذه الدورة — تأهيل أدوات، تنفيذ الجرائم، ثم استبدال الأدوات القديمة بأخرى جديدة — تؤكد أن ما يحدث ليس عنفًا فرديًا، أو خللاً أمنيًا أو عسكريًا عابرًا، بل شبكة منظَّمة من العلاقات والمصالح تعيد إنتاج ذاتها عبر الزمن.
تفكيك المنظومة
تعز بحاجة، قبل كل شيء، إلى إدارة حقيقية تعمل على كسر شوكة هذه المنظومة، وتجفيف منابع أدواتها من المال والسلاح والدعم. وهذا لا يتطلب مواجهة الجرائم فحسب، بل أيضًا فتح تحقيقات مستقلة وشفافة، وحماية الشهود، وتفكيك شبكات التمويل، ونزع الستار الذي تتحصن تحته أدوات تنفيذ هذه الجرائم. وما لم يتحقق ذلك، ستظل المدينة أسيرة هذا المستنقع السلطوي المحلي المزري.
وماذا بعد؟ تنويهان لا بد منهما
الأول: أن قراءة المشهد الدموي في تعز لا يمكن أن تكون بمعزل عن منظومات الفساد التي تدير خلاياه عبر شبكات المصالح، وصولًا إلى الرؤوس القيادية المتهافتة على إصدار التعميمات الصارمة لضبط الأيدي المنفّذة للجريمة، وفي الوقت نفسه تغطي على الأدوات التي ارتكبت الاغتيالات السابقة.
أما الثاني: فهو الاحتمال المفارق، الذي يرى أن خُصلات شعر افتِهان المشهري، المروية بضحى دامي في تعز يوم الخميس 18 سبتمبر 2025، قد تكون الرمز الذي يقود إلى تنظيف المدينة من هذه المنظومة، وإخراجها من هذا المستنقع.
لروحكِ السكينة والخلود، يا افتِهان، ولهذه المنظومة، التي تحمي بنفسها جرائمها الخزي والعار.