
- بقلم: د. قاسم المحبشي
من محاسن الإنترنت تسهيل التواصل والاتصال بين أشخاص حالت السياسة والجغرافيا دون التواصل بينهم. سيّار الجميل اسم طالما عرفته منذ كنت طالبًا في جامعة عدن عبر كتاباته المنشورة منذ ستينيات القرن العشرين. إذ يعد من أهم المفكرين العرب المعاصرين الذين تأثرنا بكتابتهم وأفكارهم بحكم المجايلة، بحسب تعبيره في كتابه المهم المجايلة التاريخية: فلسفة التكوين التاريخي، بيروت – عّمان 1999. أتذكر أننا في الجمعية الفلسفية التي أسسناها في عدن عام ١٩٨٨م كرسنا ندوة ثقافية لمناقشة كتابه عن التكوين العربي الحديث إذا لم تخنِ الذاكرة! كتب في تحولات التاريخ العربي والعولمة والمستقبل الثقافي وأشياء كثيرة.
البارحة استمعت إليه وجهًا لوجه لأول مرة في حياتي رغم أني أمضيت أربعة أعوام في بغداد وزرت أم الربيعين، الموصل، ربما بتحفيز خفي منه، لكنني وجدت أثره في المكتبة ولم ألتقِه هناك.
المعهد العالمي للتجديد العربي هو الذي جمعنا ليلة الجمعية الموافق ١٩ سبتمبر ٢٠٢٥م في ندوة بعنوان: فوضى المصطلحات والمفاهيم في الثقافة العربية المعاصرة وتصويبها، نظمتها وحدة الدراسات التاريخية بالمعهد، وأدارتها بكفاءة واقتدار الدكتورة سولاف فيض الله، عضو وحدة الدراسات التاريخية والآثارية.
كان البروفسور سيّار الجميل هو المحاضر الرئيس إذ عرف الفكرة على النحو الآتي:
“يمكن القول أن هناك قدرًا من الفوضى في المصطلحات والمفاهيم في الثقافة العربية المعاصرة، وهذه الفوضى ليست محصورة في المجال الثقافي فقط، بل تمتد إلى السياسة، والدين، والاجتماع، والاقتصاد، والتعليم، وغيرها. كما أنها ليست وليدة اليوم، فالأخطاء سببت مشكلات وتباينات ثم حفلت الثقافة العربية بالتناقضات. دعوني أتكلم بعد هذه المقدمة في ثلاثة محاور: محور أساسي لتبيان ضرورة فهمنا لما هو متداول في ثقافتنا صحيحًا، ومحور أصحح ما يتداوله العرب من مصطلحات وتسميات خاطئة تصدر على لسان رؤساء دول وأساتذة جامعات وكتّاب وحتى إعلاميين ويتداولها الناس أجمعين، ومحور ثالث أعالج فيه بعض المفاهيم التي تهيم بها الملايين للأسف الشديد وعلى امتداد القرن العشرين وحتى اليوم وأخلص إلى استنتاجات.”
أولًا: مدخل أساسي في العوامل:
1. غياب التوافق على التعاريف والمفاهيم.
2. الترجمة غير الدقيقة أو غير المنهجية.
3. تأثير الإعلام ووسائل التواصل.
4. الصراع بين الأجيال والتيارات الفكرية.
5. غياب المؤسسات الفكرية والمؤسسات المرجعية والمجامع العلمية واللغوية.
6. التوظيف الأيديولوجي والسياسي للمفاهيم التي راجت في القرن 20.
“يتطلب التصويب جهدًا منهجيًا لإعادة البناء والتمحيص والتأصيل من خلال القواميس والمعاجم والأدلة بعيدًا عن التشنج والتصلب.”
(ينظر: سيّار الجميل، كشف الأستار 32، مختصر محاضرتي الأخيرة عن: فوضى المصطلحات والمفاهيم في الثقافة العربية المعاصرة وتصويبها، صفحته في الفيسبوك).
كانت ندوة حوارية غنية وثرية ذكرتني موقفًا حدث لي مع مشرفي العلمي، الأستاذ مدني صالح، عام ٢٠٠٤ في قسم الفلسفة بجامعة بغداد، إذ طلب مني قراءة الفصل الأول من الأطروحة. كان يغمض عينيه حينما يستمع، وحينما قرأت كلمة إشكالية فتحّ وقال: “شنه يعني إشكالية؟!” وطلب مني إعادة قراءة الفقرة. قرأتها (إشكالية المفاهيم الفلسفية) قال لي: “أكيـد من تأثير الجابري، هو صاحب هذه الكلمات التي لخبطت الفكر العربي الراهن باستخدام كلمات ومصطلحات لمن ينزل الله بها من سلطان!” ضحكت وقلت: “نعم، قرأتها عنده.” قال لي: “اشطبها واكتب (مشكلة) حتى يستقيم المعنى.”
رحمة الله عليه أستاذنا الراحل مدني صالح، فيلسوف العراق الأبرز، كان شديد الحرص في استخدام اللغة بما يجعل الكلمات تدل على المدلولات. بذلك الموقف الطريف بدأت مداخلتي مع الدكتور سيّار الجميل الذي قال: “المشكلة هي ما يصادف الإنسان، ولكن الإشكالية هي ما يثيره الباحث من إشكالية ومسائل بحثًا عن أجوبة، وكنت وراء نحت هذه المفردة منذ أكثر من أربعين عامًا.”
ربما اتفق مع الدكتور سيّار الجميل في توصيفه لواقع الاضطراب اللغوي العربي الراهن، ولكنني اختلف معه بشأن الأسباب الحقيقية لشيوع الفوضى اللغوية، إذ كتب: “المفاهيم التي تعاني من اضطراب أو فوضى في الثقافة العربية المعاصرة” مع توضيح كيف ولماذا يحدث هذا الاضطراب. وقد وقفت عند مفهوم الحرية، ومفهوم العلمانية، ومفهوم الديمقراطية، ومفهوم الهوية، ومفهوم الدولة المدنية، ومفهوم الشفافية، ومفهوم الحداثة، ومفهوم التحديث، ومفهوم ما وراء الحداثة، ثم مفهوم الوطنية والقومية، ومفهوم العروبة والقومية العربية، ومصطلح الاستعمار ولماذا تُرجِم إلى العربية من فعل عمّر الشيء؟، ومفاهيم الاشتراكية، إلخ.
وأعتقد أن مشكلة الفوضى اللغوية ليست مسألة ثقافية ولا فكرية ولا أخلاقية، بل هي حضارية بالأساس؛ ففي أزمنة التحولات التاريخية والأزمات الحضارية تضطرب الكلمات والأشياء والمفاهيم والدلالات، إذ يعاد تصنيف الناس والعلاقات والأفعال والقيم والزمان والمكان والحياة والموت والأرض والسماء وكل شيء تقريبًا، لا سيما في المجتمعات الأمية التي ران عليها الجهل منذ زمن طويل.
وهذا ما شهدته المجتمعات العربية الإسلامية على مدى قرنيْن من الزمن بنسب متفاوتة وعبر مراحل مختلفة. إذ إن معاني الكلمات والمصطلحات والمفاهيم التي نستخدمها لا توجد في فلك الأفكار ومدونات اللغات وقواميسها فحسب، بل هي كائنات تاريخية شديدة الارتباط بسياقاتها الاجتماعية الثقافية المشخصة، ولكل مفهوم مكان وزمان ولادة وسياق نمو وتجربة ممارسة وعلاقات قوة واستراتيجيات سلطة ورهانات معرفة ونظام خطاب ومدونة لغة وفضاء فكر وحساسية ثقافة وحقل تأويل وشيفرة معنى وأفق دلالة، إلخ.
وإذا أدركنا أن اللغة هي الوجود الذي يتكلم ويفكر ويعلن عن وجوده من خلالنا وبناءً، فإن التفكير يحمل إلى اللغة في نطقها كلمة الكينونة اللامنطوقة، فهل ما زالت لغتنا المحكية والمكتوبة والمفكر بها تعبر عن حقيقة وجودنا وبيئتنا وسلوكنا وحياتنا الحاضرة المباشرة، أم أن الكلمات انفصلت عن الأشياء منذ وقت طويل، وأصبحت أشبه بالقبعات المعلقة بالهواء بلا رؤوس؟
المتأمل في واقع حياتنا الثقافية العربية اليوم سوف يلاحظ، بغير عناء، ذلك الانفصال العقيم بين الدال والمدلول، بين الكلمات والأشياء، وبين اللغة والوجود. فالكلمة لم تعد تعني المعنى الذي كانت تجسده ذات يوم، حينما بدأت لحماً ودمًا حيًا، كما بدأت العبارات أيضًا (لحماً حيًا). الحيوان والأعضاء والجسد والطبيعة والعلاقات والآلهة انبثقت من الواقع الحي لحياة الإنسان، ولم تكن هذه الرموز إلا تمثيلاً مباشرًا صادقًا وحياً للأشياء التي تدل عليها.
وكثير من الكلمات العربية ارتبطت بالحيوان والبيئة التي عاش فيها العربي في زمن ميلادها. فمثلاً كلمة متن بدأت بمعنى “ظهر الحيوان”، بينما قد تعني الآن “أصول اللغة ومفرداتها”، أو متن الكتاب أي محتواه. وكلمة الابتكار مشتقة من البكر أول مولود الولادة أي حفظ لنوع، والبكارة عزوبة المرأة، والباكر أول النهار، والابتكار الإبداع والاختراع. وكلمة الحب حينما ينطق بها تعني وجود رابطة حميمة بين كائنين، وتعني الألفة والاتحاد والعيش معًا.
وأنا أحبك، كما يقول هيدجر، ليس مجرد تعبير عن ذاتي، بل هو الوجود الذي يعلن ذاته ويتجاوزها إلى الآخر. إنها تعني أن الفرد الموجود يتجاوز انغلاقه طلبًا للآخر ويؤسس الحب في الخارج خارج الذات المنعزلة.
وأنا أحبك هي شمولية الوجود الذي لا يعي نفسه إلا شاملاً. إنها الجزئي ظاهريًا والكلي جوهريًا. هذا معناه أن الكلمة ليست تعبيرًا عن ذاتها، بل هي حامِل لمحمول، هي صوت الجسد، هي رمز لشيء موجود، ولكنها ليست الشيء ذاته أبدًا، بل كما يقول موريس بلانشو، إن الكلمة في اللغات الأصيلة ليست تعبيرًا عن شيء، بل هي غياب هذا الشيء. إن الكلمة تخفي الأشياء وتفرض علينا إحساسًا بغياب شامل، بل بغيابها هي ذاتها.
وربما كانت محنة ابن رشد مع ترجمة كتاب الشعر لأرسطو أفضل مثال لكيفية “تحجب الثقافة المعنى”، حيث كتب الأديب اللاتيني الضرير خورخي لويس بورخيس في وصفة محنة ابن رشد مع ترجمة كتاب الشعر لأرسطو طاليس قائلاً: “بالأمس وقف عند كلمتين مريبَتَين في بداية كتاب الشعر وهما ‘تراجيديا وكوميديا’. لقد وجدهما سنوات من قبل في الكتاب الثالث من البلاغة، ولم يسبق لأحد في نطاق الإسلام أن خمن معناهما، وبدون جدوى أتعب صفحات كتاب لإسكندر الأفروديسي، وبدون جدوى قارن بين الترجمتين اللتين قام بهما النسطوري حنين بن إسحاق وأبو بشر متى، والكلمتان اللغزان تترردان في كتاب الشعر، ويستحيل تلافيهما.”
ترك ابن رشد القلم وقال لنفسه (دون ثقة كبيرة) بأن ما نبحث عنه يكون عادة قريبًا منا، خبأ مخطوط التهافت، واتجه نحو الخزانة حيث تصطف مجلدات كثيرة من كتاب المحكم للأعمى ابن سيدة منسوخة بأقلام خطاطين فرس. سيكون من باب الخداع أن نتخيل بأن ابن رشد لم يراجعها من قبل، ولكن استهوته الآن لذة، ورجع إلى تصفحها من جديد، وسمع صوتًا رخيما نظر من الشرفة. في الفناء الأرضي الضيق رأى بعض الأطفال يلعبون شبه عراة؛ كان أحدهم واقفًا على كتفي آخر، يمثل المؤذن بصورة بارزة: عيناه مغمضتان جيدًا وهو يتلو “لا إله إلا الله”، أما الصبي الذي كان يحمله ولا يتحرك فكان يمثل الصومعة، وكان الآخر راكعًا على ركبتيه في الغبار يمثل جماعة المؤمنين. استمر اللعب وقتًا قليلًا، فقد كان كلهم يريد أن يكون المصلون أو الصومعة، وسمعهم ابن رشد يتشاجرون ويتعاركون في لهجة بريئة، يمكن القول إنها الإسبانية البدائية التي يتكلم بها عوام المسلمين في إسبانيا.
فتح ابن رشد كتاب العين للخليل، وفكر بكبرياء أنه لا توجد ببقرطبة (وربما الأندلس كله) نسخة أخرى من هذا المؤلف الكامل الذي أرسله إليه من مدينة طنجة الأمير يعقوب المنصور. ذكره اسم هذا الميناء بأن الرحالة أبا القاسم الأشعري، الذي جاء من المغرب، سيتناول في حضرته طعام العشاء هذه الليلة في بيت فرج عالم القرآن. يقول أبو القاسم إنه بلغ مهالك إمبراطورية الصين، ويقسم المشنعون، استنادًا على ذلك المنطق الذي يتولد عنه الحقد، أنه لم يصل أرض الصين أبدًا. إن الاجتماع سيستغرق ساعات لا محالة، ولهذا رجع ابن رشد إلى كتابة التهافت معجلاً، وظل يعمل إلى حين الغروب.
(ينظر: خورخي لويس بورخيس، ابن رشد وقلق العبارة)
المعنى أن فيلسوف قرطبة العربي، الذي لا تعرف ثقافته الفن المسرحي المرئي، لم تسعفه اللغة وحدها من اكتشاف معنى الكلمتين اليونانيتين (تراجيديا وكوميديا) في كتاب بويطيقا فن الشعر لأرسطو، وهكذا دائمًا تحجب الثقافة المعنى. ولو أن ابن رشد يعرف المسرح لما نظر في كتاب العين للخليل، ولكان اكتفى بمشاهدة تمثيلية الصلاة والأذان التي كان يؤديها الأطفال في فناء المنزل.
هذا يعني أن اللغة وحدها لا تكفي، فالثقافة تحجب المعنى وتخفي السياق، إذ إن هناك فرقًا بين الثقافة بوصفها هابتوس Habitus (طبع أو نسق الاستعدادات والتصورات اللاشعورية بحسب بيير بورديو – أقصد الثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي الذي يبقى بعد نسيان كل شيء!)، والثقافة بوصفها حصيلة اللغة والتربية والتعليم والمعرفة المكتسبة من الدراسة النظامية عبر المراحل العمرية المختلفة من الروضة حتى الجامعة، فضلًا عن التثقيف الذاتي.
تلك الحالة المزدوجة للثقافة هي السائدة عند معظم سكان العالم الراهن، إفرادًا وجماعات، وكل إنسان يرى غيره بعين ثقافته التي طبّعته منذ ولادته وتنشئته في مجتمعه المحلي حيثما ولد ونشأ وتكون، وكان للمكان أثر في التكوين والتمكين للأفراد والجماعات.
فالمكان هو البعد الأساسي للكائن الحي: كون، كان، مكان، كائن، كيان، كينونة، مكين، تمكين، وغير ذلك من الأسماء والصفات التي تدل على المكان بوصفه كيانًا مشخصًا متعينيًا للعيان. فلا كيان بلا مكان، وليس شخصًا ذلك الذي لا ينتمي إلى أي مكان. فالمكان هو الثابت الدائم الذي يمنح الإنسان كينونته الوجودية في هذا العالم، ولا كينونة خارج المكان، فهو الأرض أو السطح الذي يحتوي الأجسام كلها بوصفها كيانات وكائنات محسوسة ملموسة يمكن رؤيتها بالعين المجردة أو بالتلسكوبات الرقمية. فلا شيء خارج الأمكنة التي تحيط بالكائنات من جميع الجهات.
الأمكنة هي لغة الكينونة الأصلية التي تقول كل شيء دون أن تتكلم! صمتها يدل عليها، وصخبها يمنحها هويتها. لغة بصرية وسمعية، زاخر بالمعاني والدلالات المفعمة، والأسطح والأبعاد والامتدادات والنتوءات والانحدارات والفضاءات والألوان، والضلالات بالأضواء والظلمات. إنها قاع كل شيء وأصل كل كيان من الكون ذاته إلى أصغر ذراته. للأمكنة سطوتها وسلطتها القاهرة التي يستحيل الهرب منها أو تجاوزها. فكل ما تستطيعه الكائنات إزاءها هو التكيف معها بإعادة تأثيثها بالوسائل الممكنة، وهذا هو كل ما يستطيع بلوغه الإنسان في هندسة المكان وتسويسه بما يجعله قابلاً للعيش والتمكين.
أما الحيوانات فهي تعيش المكان بطبيعته الأصلية وبغريزتها الفطرية. الإنسان وحده عبر تاريخه الطويل تمكن من منح المكان ملامحه الإنسانية بالفعل والنشاط والانفعال والبناء والتعمير والتنمية، وبهذا المعنى يمكن القول إن الجغرافيا تحضر بصور شتى، أما التاريخ فهو ذاكرة الزمان والمكان.
لقد شكّل المكان منذ الكينونة الأولى لحياة الإنسان، وما زال يشكّل وسيستمر محور الرهان الجيوبوليتيكي في صراع القوى الفاعلة على كوكب الأرض، وهذا هو موضوع كتاب روبرت كابلان انتقام المكان: “ثمة مكان جيد لفهم الحاضر، ولطرح الأسئلة حول المستقبل، وهو أديم الأرض، مع السفر فوقها بأبطأ ما يمكن” (ينظر: روبرت كابلان، انتقام الجغرافيا، سلسلة عالم المعرفة الكويتية، عدد 420، أبريل 2015).
وهكذا بحسب جيل دللوز: “يبدأ الفن لا من اللحم والدم ولا من العقل والوجدان، بل من المكان والزمان”، من الفضاءات الحميمة التي تحتضن الكائن؛ المنزل، الشارع، الحي، البلدة، المدينة، الأرض، السماء، المواسم، الليالي، الأيام، النجوم، الغيوم، المطر، الشمس، القمر، الشجر، البحر، الموج، النهر، الجداول، الرمال، الجبال، الوديان، الحيوان، الأنوار، الظلال، الأشكال، الألوان، الغناء، الرقص، النحت، الرسم، الأزياء، الألعاب، العصافير، الأعشاش، الأفراح، الأتراح، الآلام، الآمال، والأحلام، إلخ.
وكل تلك الأشياء الصغيرة الحميمة المؤطرة في السياق الحي الفوري المباشر لكينونة الكائن التي يعيشها متدفقة لحظة بلحظة من حياته، تلك الأشياء الصغيرة بتفاصيلها الحميمة التي تظل عصية عن النسيان، هي التي يستلهمها الإنسان، المفكر، الفنان، ويعيد صيغتها إبداعيًا (فكرة، أغنية أو قصيدة أو قصة أو رواية أو لوحة تشكيلية فنية جميلة، أو سيرة ذاتية، أو رؤية فلسفية، إلخ). إنها أغنية الأرض المنتزعة من أرضها.
(ينظر: قاسم المحبشي، فلسطين: أغنية الأرض المنتزعة من أرضها، الحوار المتمدن، 2023).