- كتب : د. انعام مسعود عشموش
التغيير السلوكي طويل المدى للصحة العامة
مع تعدد منافذ المعرفة في عصرنا الحالي تمكن الأغلبية من الحصول على المعلومة بضغطة زر “لمسة” ولم تصبح المعلومات حكرا على فئة دون الأخرى – على الأقل المؤثرة في حياتنا الشخصية والصحية – ولكن هل يتم الاستفادة من زخم المعلومات وهل صنعت تلك المنافذ تغييرا في السلوكيات الفردية خاصة بما يتعلق بالصحة العامة والوقاية من الأمراض؟ أم أنها زادت الحمل على الفرد الذي ما أن يوجه محركات البحث متسائلا عن مرض أصيب به حديثا أو يخشى الإصابة به حتى يهوله كمية المعلومات المتضاربة فأما يغلق ويتناسى للعيش بعيدا عن التفكير بما ألم به؛ ولن يحدث ذلك ففي الغالب سيصاب بالتوتر والاجهاد النفسي بين فترة وأخرى نتيجة لمعرفته بحالته ومحاولته التغافل عنها أو أن يتخذ خطوة إيجابية لمواجهة حالته الصحية والتعامل معها بطريقة إيجابية؟
تنصح العديد من المؤسسات الصحية باتباع نظام حياة صحي لمواجهة أمراض العصر المزمنة ويتمثل نظام الحياة الصحي في خمس ركائز أساسية وهي التغذية السليمة وممارسة الرياضة، النوم مع تنظيم الساعة البيولوجية وأخيرا التحكم في القلق والضغط النفسي وإيجاد طرق للتعامل معه. وفي ذلك الإطار نجد العديد من المقالات والمقاطع المرئية المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تناولت أساليب اتباع نظام حياة صحي مثال على ذلك الأنظمة الغذائية قليلة السعرات أو الكيميائية أو الكيتونية كما يتناقل الشباب مقاطع تعليمية لعدد من الأنشطة الرياضية الهوائية واللا هوائية والخطوات والطرق الصحيحة لأدائها.
وبالرغم من ذلك لم تشهد القراءات اختلاف كثير في مؤشر انتشار الامراض بل ربما تزيد الرقعة اتساعا، أين الخلل؟
أظن أن اتباع نظام حياة صحي ليس بالأمر السهل فكم منا قام باتباع نظام غذائي معين وسرعان ما تركه وكذلك نجد العديد ممن يلتزمون بالرياضة والمشي لمدة شهر وشهرين ثم يمل ذلك ويعود كما كان. أن الركيزة في الالتزام بنظام حياة صحي هي القدرة على صنع العادات وتكييفها مع أسلوب حياتنا بطريقة ميسرة وممتعة وهنا سنناقش كيفية صنع العادات الصحية للحصول على سلوك صحي طويل المدى.
ما الذي يدفع شخصا دون غيره باتباع نظام حياة صحي والنجاح في ذلك؟
الإرادة:
إن إدراك الحالة الصحية للفرد وتقبلها مهم جدا في البدء بسلوكيات تحسن من وضعه أو تقيه عقبات ما مضى من تهاون وتكاسل بما يخص صحته؛ ومن هنا تبدأ اللبنة الأولى في بناء عادة صحية مفيدة كتجنب الأطعمة الدسمة أو تناول السلطات حيث تدفعنا الإرادة إلى اكتساب عادات صحية وغالبا ما يدفعنا الحماس لتغيير أغلب عاداتنا التي ندرك فجأة مدى ضررها على صحتنا وهنا تبدأ أخطاءنا إذ أنه إذا أردنا اكتساب عادة جديدة ينبغي البدء بالتوالي – عادة تليها عادة –.
هل نبدأ بإلغاء عادة سيئة أو كسب عادة صحية؟ يقال في علم النفس أن البدء ببناء عادة صحية جديدة أسهل إذ يلحظ الفرد أثر ذلك التغيير وبأقل من الجهد المطلوب لترك عادة مضرة؛ مثال: إضافة طبق من السلطة وحصة من الفواكه إلى جانب الوجبة الرئيسية في المرحلة الأولى ثم التدرج إلى تقليل حصة النشويات المتناولة كالأرز وحتى استبدالها بالخبز الأسمر. ومع إحساس الرضا الذي يمنحك إياه ادخال العادات الصحية ستجد نفسك تلقائيا تتجنب العديد من الأفعال المضرة التي ستفقدك نشوة الإنجاز الصحي.
ولكن هل تكفي الإرادة للاستمرار في اتباع سلوك صحي؟
إيجاد البيئة المناسبة :
وهنا نشير إلى أن البيئة هي كل ما يحيط بك من أشخاص وأشياء وأفكار ولأن لكل ذلك أثر في صحتنا وسلوك حياتنا فإنه سيصعب الالتزام بنظام غذائي صحي بينما يوجد حولك العديد من المحفزات لتناول الحلوى أو الوجبات الدسمة وعلى العكس لو أوجدت لنفسك بيئة تشابه أفكارك وأهدافك فاكتساب صديق رياضي يشجعك على المشي ويحفزك عليه سيسهل عليك الالتزام بنظام حياة صحية وصناعة أهداف تعود على صحتك بالفائدة. ولا تنسى أن تكون صاحب أثر على عائلتك وتنمي في أطفالك العادات التي تسهل لهم اتباع نظام حياة صحي.
كما تعتبر البيئة المحيطة سبب من أسباب الضغط النفسي وقلة النوم إذ تعتبر الأجهزة الالكترونية سبب في حالات الأرق وقلة النوم حيث ينشط الضوء الأزرق المنبثق من شاشاتها مراكز في المخ تبقيه يقظا كما في النهار لذلك ينصح باستبدال عادة تصفح الأجهزة الالكترونية قبل النوم و العودة إلى الكتب والقراءة .
تحدثنا عن دور الفرد في إيجاد البدائل الصحية لمواجهة الأمراض المزمنة ولكن الجدير بالذكر أن للمؤسسات الحكومية دور لا يجب أن نغفل عنه أيضا فكما لوحظ في عدد من الدول مساهمتها في التغيير السلوكي طويل المدة ابتداء من المدارس ومن خلال دعم القطاع الخاص لتوفير الوجبات الصحية : الفواكه المقطعة والتشديد في منع الوجبات الضارة بصحة الأطفال وحتى الوصول إلى سجل صحي لكل أفراد المجتمع من خلال تفعيل دور المراكز الصحية و الوصول إلى المرضى في منازلهم نهار شهر رمضان وقياس نسبة السكر لإجراء إحصاءات دقيقة ( متبعة في إحدى الدول المجاورة)وتبني خطط تتناسب مع الوضع الصحي للمجتمع وهنا يكمن دور الدولة في توجيه المجتمع إلى خيارات صحية وإيجاد البيئة المناسبة لذلك.