- نجلاء القصيص
ألقتْ بجسدها على كرسي بجانب امرأة عجوز في صالة الانتظار منتظرة دورها في الدخول إلى غرفة الكشف ومراجعة الطبيب.. وخلال جلوسها أطلقت لبصرها
العنان لاكتشاف المكان، فأفواج البشر تدخل وتخرج، كلا ينتظر دوره في مراجعة الطبيب المختص، تأففت- في داخلها- من كثرة الزحام. في كل مرة تلتفت إلى
المرآة دون أن تتفوه بكلمة واحدة.. تبادلها ابتسامة عريضة مخفية ضجرها من
الانتظار الطويل واستهلاك الوقت.
بينما هي جالسة
فجأة!.
دوى صراخ قادم من الخارج، بدأت حدته تزيد كلما اقترب مجموعة من الناس
باتجاه الصالة الداخلية. الصراخ كسر صمتها وأخرس بعضا من الأحاديث الجانبية بين المرضى، فجميع من في المكان صوبوا أبصارهم إلى مصدر الصوت القادم
بقوة، تحركت من مكانها سريعا باتجاه التجمع البشري الذي تشكل على وجه
السرعة، اخترقت الصفوف المتدافعة بصعوبة بالغة، فإذا بها تشاهد طفلا في
حوالي العاشرة من عمره، يرقد على نقالة، وإحدى ساقيه تنزف بشدة.
سألت نفسها: ياترى ما الذي أصابه، وجعل ساقه تنزف؟!
لون الدم يخيفها جدا، ويجعلها تشعر بالغثيان، في كل مرة تشاهده يكاد يغمى عليها..
تتراجع إلى الخلف قليلا محاولة استعادة قواها، وبصرها مصوب ناحية الطفل الذي تم إدخاله سريعا إلى غرفة العمليات لعمل اللازم…
مرافقوه اتكأوا على كراسي متقاربة في الصالة القريبة من الغرفة..وعلامات القلق والخوف بادية عليهم والحزن يكسو ملامحهم..
بخطوات ثقيلة اقتربت منهم وسألت أقربهم إليها
– ماذا أصاب ساقه ولماذا ينزف ويتألم؟
– طلق ناري.
سيطرت عليها علامات الحزن والرعب فجأة وجعلت أوصالها ترتجف ودموعها
تنهمر من عينيها لا شعوريا، بلعت ريقها بصعوبة أكثر من مرة قبل أن تعود
لاستكمال حديثها
– هل كان يعبث بالسلاح حين أصيب؟
– كلا، فقد كان يلعب في حوش المنزل بصحبة إخوته وجيرانه..
فجأة بدأ بالصراخ ليسقط أرضا مغميا عليه. اتجهنا صوبه وقد تجمع الصغار
حوله، فرأينا أثر دم على بنطاله، هنا سيطر الخوف علينا. وبعد ذلك عرفنا
أنها رصاصة راجعة…
– من الملاحظ أن مثل هذة الحوداث تتكرر باستمرار في الآوانة الأخيرة.
أخذ مرافقوه يتمتمون بدعوات الشفاء لمصابهم..ويتبادلون حديث استعادة تفاصيل الحادثة فيما بينهم..
جلستْ بقربهم، وأغمضت عينيها متذكرة أحداثا مشابهة منذ سنوات، غيرت مجرى حياة أسرتها.
في ذلك اليوم عاد أخوها مغطى بكفن ملطخ بالدماء..فقد كان في زيارة لقريتهم لحضور حفل زفاف قريب لهم..وبينما كان ينام ليلا على سطح المنزل برقفة
والدتها، اخترقت رئته رصاصة مجهولة..
شعرتْ بتعرقٍ شديد ورعشة مخيفة في جسدها وتشنج يداها..لم تدرِ ماذا يحدث معها! وكيف استيقظت ذكرياتها؟!، فلا يزال ذلك الجرح الغائر ينهش فيها ويتنفس في أعماقها كلما حاولت نسيانه..
بعد لحظات انتفضت كالذي أصابه تيار كهربائي متجهة صوب غرفة العمليات..وبدأت تبكى بصوتٍ مرتفع وعلامات الاضطراب مسيطرة عليها:
– أرجوك، لا تمت..لا تمت!
فُتح الباب وإذا بالطبيب يبتسم: تم إخراج الرصاصة بإمكانكم الدخول لرؤيته…