- عبدالكريم الرازحي
كان النكاح هو العمل الوحيد الذي يعرفه قاسم الاهبل ويقدر عليه.
كان يتقنه ويجيده ويؤديه بمهارة ويسر وسهولة وأما الصلاة فكانت تبدوله عملية صعبة وشاقة ومعقدة وفوق مستواه وكان يفشل فيها مثل تلميذ بليد. وعندما كانوا يدعونه للصلاة أو ينصحونه بها يقول لهم :
– “نحنا الهبلان صلاتنا النكاح”.
وحين يلحون عليه او يحاولون إقناعه بفوائد الصلاة يقول لهم:
– الانسان يعمل المهرة اللي يعرفها ويقدرعليها ويحبها.. حاجة مايعرف لها، ولايقدر عليها، ولايحبها ،ليش يعملها!! وليش يتعب نفسه!! وليش الفضالة!!.
وكان البعض يضحك من كلامه والبعض يكتم ضحكته خوفًا من رد فعل الفقيه الذي كان يعلق على كلامه قائلاً:
– “قاسم أهبل وكلامه هذا كلام اهبل لكن العيب فيكم تسمعوا كلام واحد أهبل وتضحكوا له”.
كان بين الاثنين عداء شديد وتوتر دائم وكانا إذ ألتقيا وجهًا لوجه يتراشقان بالكلمات ويتبادلان السباب والشتائم واللعنات. وكان ذلك يثير متعة أهل القرية الذين يجدون تسليتهم في ذلك العراك الشبيه بعراك الديكة.
كان الفقيه يسخر من قاسم الاهبل ويحتقره ويزدريه ويقول لكل من يدعوه لصلاة الجماعة في المسجد:
– “اتركوه لايجوز لكم تدعو قاسم الاهبل للصلاة”.
وكان أهل القرية يستغربون من كلام الفقيه ويقولون له:
– ليش يافقيه تعظ كل الناس بالقرية وتنصحهم بالصلاة وتسعى لهدايتهم ولاتفعل ذلك مع قاسم الاهبل ؟!.
ويرد الفقيه على سؤالهم بسؤال آخر ويقول لهم:
– هل رايتموني أو سمعتموني في يوم من الايام أدعو بهيمة للصلاة في المسجد ؟!.
وكان أن بدا لهم كلامه لغزاً وحين سالوه عما يقصده قال لهم:
– “الاهبل حُكْمهْ حكم البهيمة والهداية تكون لواحد عاقل مش لواحد أهبل”.
لكن أكثر ما أوجع الفقيه وجعله يضمر لغريمه قاسم الاهبل العداء الشديد هو أن قاسم الاهبل أنفجر ذات مرة أمام أهالي القرية وقال لهم هو في ذروة الغضب وفي أعلى درجات الانفعال:
– الفقيه ياجماعة مش هو رجّال ولو هو رجال مثل كل الرجال ليش عندما تطلب منه هند يجامعها يهرب للجامع ؟.
وليش كلما تبخرت وتعطرت وقربت جنبه يتعذر بالصلاة؟ ويقوم يصلي؟.
قولوا لي أنا الاهبل: هل هذا حرام أو مش حرام؟ وبعدين أين هي عقولكم؟ كلكم تقولوا الفقيه عابد زاهد النهار معتكف بالمسجد والليل معتكف بالسقيفة وهو يهرب من هند مرته ولو هو يعرف ربنا كان اقتدى بالنبي حقنا النبي تزوج خمستعش وكان يدور عليهن كلهن هذا واحدة وماقدرش.
قالوا له يصححون معلوماته: “النبي ياقاسم تزوج عشر نسوان مش خمستعش”.
قال لهم قاسم الاهبل:
– ولو حتى تزوج عشر العشر مش هن قليل لكن نبينا لو ما تزوج هولا النسوان كلهن كان راجل ماكان يهرب مثل الفقيه ويتعذر بالصلاة كان وقت الصلاة صلاة ووقت النكاح نكاح عمره ماقال لواحدة من زوجاته أنا نبي الله ومش فاضي لك أو قال لها هذا وقت صلاة مش وقتك.
وقال موجهًا حديثه للفقيه وكأنه يعظه:
– “شوف يافقيه ربنا لوما خلق امنا حواء خلقها من شان آدم ينكحها مش من شان يضربها.. وبعدين ليش كلما طلبت هند منك تنكحها بالنهار تهرب للمسجد تتعبد ولو طلبت منك بالليل تطلع السقيفة تتهجد؟!.
ربك مش هو بحاجة صلاتك ولا هو بايفرح من عبادتك لوعبدته لكن زوجتك بحاجة للنكاح وواجبك تنكحها وتشبعها وتدخل الفرح إلى قلبها مش تضربها وتشبعها ضرب”.
وحتى يخفف من هجومه على الفقيه سأله علي البوري وقال له:
– ليش ياقاسم ماتحبِّل زوجتك سعود؟ هل لانك عقيم أم لانك اهبل ماعرفت تحبلها ؟.
قال له قاسم الاهبل:
– بدل ماتسألنا أنا الاهبل يابوري أسال الفقيه تزوج قبلي بخمس سنين وهو فقيه وعالم وحافظ القرآن غيب ولليوم ماقدر يحبل هند وينفخ بطنها ولو أنا فقيه وعالم وحافظ القرآن غيب مثله كنت حبلت مرتي وحبلت هند مرته وحبلت نسوان القرية كلهن.
ولشدة ماضحكوا من كلام قاسم الاهبل نظر اليهم الفقيه نظرات مفعمة بالغضب وقال ردًا على قاسم الاهبل:
– “انا لو أشتي أحبل هند كنت حبلتها يا أهبل من زمان أما أنت ياقاسم ماتقدر تحبل سعود ولن تقدر”.
وسأله علي البوري وقال له:
– ليش قاسم مايقدرش يحبل سعود يافقيه؟.
قال الفقيه وهو مازال في ذروة غضبه:
– “لان ربنا ذكي ومش ممكن يترك العالم الذي خلقه يمتلئ بالهبلان من أمثال قاسم الاهبل”.
وقال يسأل علي البوري:
– قل لي ياعلي كم عدد سكان قرية العكابر ؟.
قال له: كثير يافقيه موقدرنا اعدُّهم لك!!.
وسأله الفقيه: وكم في القرية هبلان؟.
قال له علي البوري: قاسم الاهبل وزوجته سعود.
وصاح الفقيه بنبرة المنتصر:
– شفتم ياجماعه.. أثنين هبلان فقط في قريتنا قولوا لي أيش معنى هذا!!.
وسأله أهل القرية وقالوا له:
– ايش معناه يافقيه؟
قال الفقيه: “هذا معناه أن الله يكره الهبلان و يبغضهم ولايريد لهم أن يتوالدوا ويتكاثروا”.
وشعر أهل القرية بأن الفقيه جاد في كلامه ولم يكن يمزح وسألوه:
– ماهو السبب يافقيه؟.
قال الفقيه: السبب أن وجود الهبلان عبث ولافائدة من وجودهم.
قالوا له: إذا كان مافيش فائدة من وجودهم ليش ربنا خلقهم؟.
وابتسم الفقيه من سؤالهم ابتسامة من ربح المعركة وقال لهم:
– ومن قال لكم أن ربنا خلق الهبلان !! ربنا أذكى واسمى من أن يخلق الهبلان.. وهل يدخل بعقولكم بأن الله الذي خلق الانسان في أحسن تقويم وميزه عن بقية مخلوقاته بالعقل هومن خلق الهبلان وخلق هذا البهيمة.. قاسم الأهبل !!
عندئذ تدخل القاضي شاهر وقال يرد على الفقيه:
– الله هو الخالق يافقيه خلقك وخلق قاسم الاهبل من نفس الطين فلايركبنك الغرور ولاتترك الخصومة تقودك للفجور.
لكن الفقيه أمتعض من كلام القاضي شاهر وقال يرد عليه:
– الله ياقاضي شاهر لايخلق الأشياء عبثًا وانما يخلقها لحكمة وحتى الحيوانات والحنشان والعقارب خلقها لحكمة والحكمة من خلق الله للانسان نجدها في قوله تعالى: “وماخلقت الجن والانس إلا ليعبدون”. ومعنى هذا أن الله خلقنا لعبادته وطاعته ولكي نشكره على نعمه لكن قل لي:
– ماهي الحكمة من خلق قاسم الاهبل؟!، وماهي الفائدة من وجوده وهو لايعرف الله ولايعرف كيف يعبده ولا كيف يحمده ويشكره على نعمه التي أنعم بها عليه؟!.
وراح الفقيه ينكر بأن قاسم الاهبل انسان وكانت حجته هي أن الله كرم الانسان بالعقل وقاسم لاعقل له وليس بمقدوره أن يفكر ويتوصَّل بعقله إلى معرفة الله أو الى معرفة أدنى درجة من درجات الألوهية.
ويومها أطلق الفقيه نبوءته المريعة وقال بأن تناقص أعداد الهبلان دليل على أن هناك خطة الهية للقضاء عليهم واهلاك نسلهم وذريتهم وازالتهم من الوجود وختم كلامه بالقول:
– “قاسم الاهبل ياجماعة هو آخر الهبلان في قرية العكابر. ولو حملت سعود زوجته اقطعوا زبي”.
وكانت تلك بمثابة الضربة القاضية التي وجهها الفقيه لخصمه حتى أن قاسم الاهبل بالرغم من فصاحته وسلاطة لسانه تجمد في مكانه ولاذ بالصمت لكأن لسانه استحالت قطعةً من خشب.
يتبع….