- كتب: د. قاسم المحبشي
في مشاركة فضائية عن أوضاع المؤسسة الاكاديمية اليمنية الراهنة في قناة اليمن اليوم مع المذيع المثقف عيسى العزب..
مما قلته أنه من الأخطاء الفادحة النظر إلى الجامعة بوصفها مصلحة حكومية وأساتذة الجامعة بوصفهم موظفين حكوميين بل هم روح الجامعة ولحمها وسداها، فرأسمال أي جامعة في العالم هو نخبتها الأكاديمية عالية التأهيل والجودة فاذا غادرتها بقيت خاوية على عروشها. وحينما يخرب الكل أقصد الدولة الوطنية الجامعة فلا معنى للبحث عن جودة الأجزاء وعافيتها، وهجرة الكفاءات الأكاديمية من الجامعة اليمنية في اوضاعها الحالية ستكون نتائجها سلبية على المدى البعيد، وإذا ما عرفنا أن من الشروط الحاسمة لنشؤ وإزدهار الأداء الأكاديمي لا بد من وجود دوراً معترف به ومقدرا خير تقدير في ثقافة المجتمع للعلم والعلماء وللأستاذ الجامعي ولكل المشتغلين في المؤسسات العلمية الحديثة كما لا بد من وجود مؤسسة أكاديمية حرة ومستقلة وفضاء حر لممارسة الخطاب العلني بكل ما يفكره ويعتقده العلماء والباحثين الأكاديميين أي وجود حرية التفكير والقول والكتاب بدون خوف أو تهديد من أي قوى واقعية أو متخيلة. وحرية إخضاع كل شيء للتمحيص النقدي العلمي والشك المنهجي والشفافية المطلقة وقيم البحث بروح الفريق الواحد وبتمويل الأبحاث وحرية الحصول على المعلومات، والأمانه والنزاهة والإستقامة والصدق والتسامح والعقلانية وضمان الحقوق المادية والآدبية، وتأمين حياة حرة وكريمة وآمنه للإستاذ الجامعي ولكل المشتغلين في مؤسسات التعليم الأكاديمي، كل تلك القيم والعلاقات الأكاديمية وغيرها كثيرة تدعونا إلى التساؤل اليوم عن كيف حال الجامعة اليمنية؟ وهل المثل الأعلى للجامعة اليمنية هو الأداء الأكاديمي المتفق مع معايير الجودة والتميز العالمية، أم شيء آخر؟ وأين يمكن أن نضع أنفسنا في مصنف الجامعات للجودة الأكاديمية العالمية؟ يقول مصلح الكنيسة الأوروبية مارتن لوثر: “إنّ سعادة الأمم لا تتوقف على كثرة دخلها، و لا على قوة حصونها، أو جمال مبانيها العامة، و لكنها تتوقف على عدد المثقّفين من أبنائها و على رجال التربية والعلم والأخلاق فيها “فهنا تكون سعادتها و قوتها العظيمة و مقدرتها الحقّة”.
وفي الفرق بين النخب العلمية والأكاديمية ذات التأهيل العالي والنخب الأخرى كتب المنور الفرنسي سان سيمون 1825م مايلي:
” لنفترض أن فرنسا فقدت بصورة مفاجئة أهم خمسين فيزيائيا لديها، وأهم خمسين من الكيميائيين والأطباء والعلماء النُّخبة والشعراء والرسامين والمهندسين والجراحين والصيادلة، الذين يعدون مع غيرهم من الحرفيين والمهنيين الأكثر إنتاجا، فإن الأمة ستصبح جسدا لا روح فيه، وستحتاج فرنسا إلى جيل كامل لتعوض هذه الخسارة الهائلة ” ويستطرد سيمون بالقول:”لو حدثت في ليلة صماء فاجعة مفاجئة ذهبت بأكثر الشخصيات الكبرى من الأسرة المالكة والوزراء وكبار القضاة… وسواهم ممن في هذه الطبقة، فإن الشعب الفرنسي سيبكيهم حتما لأنه شعب حساس، لكن هذه الفاجعة لا تبدل شيئا مهماً أو تغير تغييراً ذا أثر في أعماق الشعب، أما لو ذهبت هذه الفاجعة برؤوس العلماء والصناعيين وأرباب المصارف والبنوك… فإن خسارة المجتمع فيهم ستكون كبيرة جدا، لأن مثل هؤلاء لا يمكن تعويضهم بسهولة”.
فمن اين لليمن بمفكر مستنير مثل الأستاذ أبوبكر السقاف الذي مات منفيا؟ السياسيون يمكن استبدالهم بمنهم العن واغبى منهم في كل وقت من الأوقات أما الاكاديميين فهم ثمرة مسار طويل من التربية والتعليم والتعلم الذاتي والصبر والسهر والشغل على الذات ويستحيل تعويضهم او استبدالهم باي أحد من الاشخاص الباحثين عن الوظائف.
وحتى نكون على بينة من الكلام والمعنى يمكن اختصار الأمر إلى التالي:
مقارنة درجة الكادر الأكاديمي بحسب قانون التعليم العالي رقم (١٣) ٢٠١٠م أيام المرحوم علي صالح باصرة رحمة الله عليه
حيث يساوي الأستاذ المحاضر (بروفيسور) درجة رئيس الوزراء في السلم الوظيفي والأستاذ مشارك درجة وزير فاعل والأستاذ مساعد درجة نائب وزير والمعيد درجة وكيل وزارة.
بمعنى يجب أن يكون الراتب الشهري لتلك الفئات الأكاديمية والحكومية متساوي في كل الظروف والأحوال. وقد كان راتب الأستاذ الجامعي قبل عام ٢٠١٥م ( ٣٢٠ ) ريال يمني يساوي ١٤٠٠دولار أمريكي بينما تدهور العملة المحلية بسبب الحرب لمدة ثمانية سنوات وصار راتب البروفيسور يساوي ٢٢٠ دولار فقط
بينما رواتب الموظفين الحكوميين من رئيس الوزراء وأنت نازل زادت على نحو متصاعد.
البس أساتذة الجامعة بشرا من لحم ودم ولديهم عائلات واحتياجات مثلهم مثل اعضاء الحكومة الذين يتناسلون مثل الأرانب كل ستة أشهر حكومة جديدة. وإذا كان المثل الحضرمي يقول: اعط المجنون حقه يعقل! فأن الحكمة الطبيعية تقول عامل الناس كما تحب أن يعاملوك! وكل مطالب اساتذة الجامعة مساواتهم بالكادر الحكومي ولا وجه للمقارنة بين الأكاديميين والموظفين. والحليم تكفيه الإشارة.