- عبدالرحمن بجاش
صدح النشيد الوطني في القاعة صباح الأمس، تولاني شعور بالرهبة وتشغررت دموعي، أمامي كان محمد عبد الوهاب الشيباني بابتسامته الودودة مثل كلمته وعلي عبد الملك الشيباني القلم الذي يعجبني بخبره الذي زلج.. وقف الجميع متمثلين اللحظة والمعنى.
بمجرد أن تدفق صوت أيوب: لمن كل هذي القناديل.. تضوي لمن، سمعتها انتصار بجانبي تتمتم: ياالله ما أروع هذا الرجل، كانت تشير إلى الجابري معتليا المنصة، عادت لتقول: أبعدوا الميكرفونات لنرى الرجل، أو أنزلوا بها بعض الشيء.. كانت فتاة أخرى على المقعد الخلفي كأنها تحاكي نفسها غير آبهة بمن حولها: ياالله مااجمل المشهد، كان الجابري ينثر درره كلمات شكر فيها المقالح وكل الأضواء التي أحاطت به.
صعدت إلى حيث يلتقطون صورا مع الشاعر الغنائي الكبير أحمد الجابري، أمسكته من يده: أنا فلان.. شد على يدي: أنا أدور عليك أنت بالذات، قبلت هامته وسجلت عين كاميرا زميلي فؤاد الحرازي لحظة تؤرخ للأمس: هناك كان الرجل، هناك كنت أنا ، هناك كان ما تبقى من النجوم تتناثر على كراسي قاعة مركز الدراسات في يوم فرض نفسه على الوجع، فقد أحتفلت اللغة العربية بيومها السنوي، وحديث لغتنا لساننا العربي حديث ذو شجون، فحين تتقدم كل اللغات الصفوف، تتوارى لغتنا الغنية إلى الخلف والسبب هذا الضياع العربي الشامل..
حيث لامناهج، ولا تربية، ولا تعليم، لأن لا رؤية ولا استراتيجية طويلة أو قصيرة الأمد، والعلم يجلس في آخر الصف يضيع كل يوم ونحن كعرب نعود إلى الوراء نبحث في الكتب الصفراء عن رؤيه !!.
أختلط علينا حابلها بنابلها تلك الصورة الناصعة لغة من خلال مجمع اللغة العربية في دمشق تتوارى خجلا أمام آلة التدمير التي ما زالت تأكل سوريا العربية إلى اليوم، وكل هذا الفضاء الواسع يشكل عقول أطفالنا كل لحظة برامجه ومسلسلاته في الاتجاه الخطأ نتراجع كفعل حضاري ولا ندري كيف نقول لأنفسنا كفى فالكون ينسحب من تحت أقدامنا ونحن نساهم في ركلنا إلى الهاوية لأننا فقدنا الهوية !!.
مركز الدراسات بقيادة المقالح يفعل بكل ما يستطيع إبقاء الراية مرفوعة ومعه المجمع اللغوي بعلمه محمود الصغيري يجدفان بكامل قوتهما في سبيل أن تظل الكلمة باللغة العربية تشق صفحة الماء للوصول إلى شاطئ الإنسان..
بالأمس أستعدنا أنفاسنا من التاسعة إلى حوالي الواحدة ظهرا بين العربية والكلمة المغناه تكريما لأحد كبارها أحمد الجابري من يستحق أن تضاء له القناديل كلها شكرا وتقديرا..
ولأن الشيئ بالشيئ يذكر .. كان لابد أن أهمس في أذن الجابري: ليت محمد عبد الودود بيننا.. تنهد بحرقة: أيوه ليت العمر طال به.. محمد عبدالودود طارش كان رحمه الله مفتونا بكلمة الجابري، كان جابريا أيوبيا حتى العظم، مستعدا لأن يقاتل في سبيل أن يظل الجابري اسما بين قناديله يضوي، أذكر الآن ذاك المساء يتصل بي: نحن مخزنين الان – طبعا في تعز حيث كان قياديا في مجموعة هائل – وذكرناك بالخير، ليش ماتكتب عن الجابري، لأنني أكره – هكذا- من يطلب مني الكتابة عن نفسه وعن أي موضوع قلت: تأمر يا محمد فقد صادف طلبه هوى في النفس، كنت يومها أكتب عمودي ((مشاهد يومية)) فكتبت لليوم الثالث: (( لمن كل هذا الجهيش ؟؟)).. عندما أدخل مكتبتي على اليسار ألصقت ذلك العمود شاهدا على تقديري للجابري..
هنا أيضا لابد من توجيه التحية لـ ياسر الشوافي التي كانت صفحة الفنون التي يحررها طوال مرحلة ترعى الكلمة المغناة اللحن والنغم والصوت الجميل من أبي بكر إلى منى علي رحمهما الله.. لم أعرف أجمل من الشوافي نفسا سوى شقيقه عارف رحمه الله.
لله الأمر من قبل ومن بعد.