- كتب: محمود ياسين
ميلان كونديرا خبر وفاة وتعزية شخصية في رسالة من صديق..
لأسباب كثيرة تدور حول الكسل لم أحاول التأكد من الخبر في محرك بحث جوجل مثلا..
فقط أكتفيت بالتداعيات، ميلان كونديرا كاتب مرحلة ما تبدو شخصية بالنسبة لي، مرحلة الانبهار بالقدرة الكلية على استعراض المهارة، لا روائي بمهارة كونديرا الاستعراضية حتى أنه قام بتضمين نوتات موسيقية كاملة في أحد كتبه، كونديرا القاتل وفقا لفرانسوا ريكار ناشر رواية الحياة هي في مكان آخر وهو يقوم بتعريف هذا الروائي على أنه يجرد أبطاله من آخر ملاذاتهم الإنسانية وأضاف: إنه يهدم ببطء ولكن بعمق وبلا هوادة..
ميلان الشاهد الأكثر ضراوة على التجربة الشيوعية التشيكية حد الهوس ولا تكاد تخلو رواية لكونديرا من رائحة الشيوعي التشيكي المتحمس والساذج في آن، حتى أنه في “خفة الكائن التي لا تحتمل” دعى على لسان بطل الرواية أن يقوم الشيوعيون التشيك بفقأ عيونهم على سبيل الاعتذار، أنا جاروميل بطل رواية “الحياة في مكان آخر” فقد جعله كونديرا يحلم بكونه شيوعيا يقود المنشقين التشيك لتهريبهم عبر أسطح براغ القديمة وينام بعدها في مقر الحزب بينما جاروميل شاعر وشاعر موهوب حقا لكنه لا يجد الحياة لا في الشعر ولا في اسم جاروميل لذلك أقترح لنفسه اسم كوزافيه، ولم يكن الشاعر جاروميل هو من وشى بالفتاة الوحيدة التي أحبته لأجهزة الأمن السرية لكنه كوزافيه المتحمس الساذج والباعث على الرثاء، وفي رواية المزحة أستعرض كونديرا كيف أن الحزب قد اتخذ شكل القدر وهو يدهس حياة إنسان اسمه لودفيك ويرتب له جحيما شخصيا عقابا لمزحة، مزحة بين طالب تشيكي وزميلته في الجامعة ببراغ كتب على كشكولها جملة تهكمية وقعها بإسم تروتسكي، وصلت الجملة لمسؤولي التنظيم في الجامعة وكان تروتسكي أيامها قد أنتقل من كونه أيقونة شيوعية لمنشق وخائن للنظرية والحزب، تغيرت بعدها حياة لودفيك تماما بعد تلك المزحة التروتسكية وكأن ميلان كان يخبر عن واحدة من تنويعات الأقدار التي تطال أي إنسان وتباغت حياته وفقا للصدفة وتبعا لتنويعات دنيا هي شكل من التهكم لكنه أحالها وبحقد شخصي على الشيوعيين التشيك حصرا..
هل كان ميلان يحقد على الحزب لسبب أيدلوجي مثلا ؟ على أساس من كونه أيامها يحمل الوعي النقيض للفكرة ؟
بدايات الألفية الثالثة نشرت بعض من وثائق الحزب الشيوعي التشيكي وأجهزته الأمنية وظهر تقرير يخبر عن أن الواشي ضد لودفيك ومزحته التروتسكية تلك هو الطالب ميلان كونديرا الذي قدم تقريرا أمنيا ضد أحد زملائه بسبب جملة تحمل توقيع تروتسكي، لم يعلق الروائي على الوثيقة، وبقيت أتساءل: هل كان ميلان يعاقب نفسه من خلال رواياته ؟ هل كان يتطهر بالسرد ؟
ربما.