- مصطفى ناجي
لاقت الانتخابات التركية اهتماماً دولياً كبيراً، وانحازت المؤسسات الاعلامية الأوروبية إلى رغبة إزاحة أردوغان من المشهد السياسي لاعتبارات عديدة منها أن ديمومة زعيم هو وهن للديمقراطية، لكن ابعاداً جيوبوليتيكة آخرى تبرر هذه المواقف.. القوى الدولية لا ترغب في مزاحمتها.
تركيا تتحول إلى قوة إقليمية وتعيد بناء المشهد الإقليمي بينما تنحسر قوة أوروبا وتخلي أمريكا ساحة (الشرق الأوسط).
تركيا قلق أوروبي كبير بلا شك، وسياستها الخارجية المتقلبة تثير إستياء شركاءها الغربيين.. موقعها عزّز من تنفيذ سياسة تستفيد من التناقضات حد الذهاب إلى الحافة.
إقليمياً، تركيا رهان البعض وخصم البعض الآخر، لا أتكلم عن العرب فقط.. النظام الحالي خليط من ديمقراطية ليبرالية واسلاموية وقومية.. هذه خلطة مغرية للجمهوريات المتعثرة، مصل مطلوب لمعالجة انكسارات بعض المجتمعات أو القوى السياسية.
لكن يجهل محبو الأوردغانية أن الطريق كان علمانية فجة.. عدا التحالف الاستراتيجي مع قطر والتدخل العسكري في سوريا وليبيا والحضور في الصومال، تميز نفوذ تركيا بالمراوحة وخارج أي عقلنة، صورة ذهنية لا أكثر.. لم يكن بوسع الإسلامويين العرب إستيعاب التجربة الأردوغانية لأنها تجربة سياسية وهم يبحثون عن أيديولوجيا.. أخوان مصر امتعضوا في أول زيارة لأردوغان لمصر حين نصحهم بالعلمانية.
لكن الأنظمة العربية الأخرى التي في طريقها نحو قوة إقليمية تنزعج من تركيا انزعاج المنافس.. تتعامل جميع القوى الإقليمية مع المنطقة كحيازات حصرية، ولهذا تقلص من مجال التعاون.. فضلا عن أنها متنافرة في نظرتها للحكم.
كان الربيع العربي قد خلق انقساما حادا في المنطقة قضمت إيران حصة كبيرة منه لصالحها، إلا أن تركيا لم تذهب بعيدا في الاستقطاب.. لا تهمها الأيديولوجيا بقدر ما يهمها بناء مصالحها الاستراتيجية.
الأوردغانية تمثل انتصار كاريزما الفرد بينما الديمقراطيات الغربية توّلد كاريزما المؤسسة.
يمثل أردوغان نقطة قوة هذه التجربة ونقطة ضعفها في آن.. الديمقراطية تعني تبادل السلطة وتوليد مؤسسات.
ما تزال ديمقراطية الدول الصاعدة والناشئة مرهونة بموقف الجيش.. هذه ميزة التحول التركي، إلا أن أنصار الأوردغانية العرب لا يستوعبون شروط هذا التحول.. كما أن خصومهم عدميين مثلهم.
السطور أعلاه محاولة لفهم الحماس العربي ضد أو مع الانتخابات التركية.
الأنصار يرون في الأردوغانية تجسيداً لحلمهم الإسلاموي فيما التجربة التركية قومية، فهي وإن مالت إلى الاسلام إلا أنها لا تميل إلى العروبة.
والخصوم يبغضون الكاريزما الفردية ويعادون الديمقراطية ولو الجنينية.