- ماجد زايد
الواقع السياسي اليمني محير للغاية، هذا بكل تأكيد، ومليء بتشوهات وتراكمات مطلقة الأحكام القطعية في أفكار الأخرين.. لكننا لسنا كذلك، كما يقول الشاعر الأمريكي “هيرمان ملفيل”، فنحن بالتأكيد قادرون على أن نكون عقلانيين ومنطقيين، لكن المشكلة تكمن في أننا لا نريد ذلك. فالمنطق يشعرنا بالهزيمة، لذلك نحن نحتاج أحيانًا إلى القليل من المبررات، أو حتى الكثير منها.. ولكن، لماذا تتغيّر المواقف في تجاربنا السياسيية المتكررة؟!سأقول لكم، وجه الاختلاف والتغيير المنطقي يأتي دائمًا عندما يدرك الأشخاص حقيقة التقييمات الزائفة للأراء المطلقة في قناعاتهم، ومقابلها يتبرئون من دوافعها التي كانت تقودهم عادةً إلى الدفاع عن أنفسهم وأفكارهم من الانتقاد الخارجي، وبدلًا من ذلك، يُمكنهم الأن النظر إلى عقلانية وصوابية المواقف الأخرى.
هذا ما يدفعني اليوم للحديث عن أحمد علي عبدالله صالح، العميد والسفير والرجل الغامض والقوي، وربما الرجل الضعيف والبراجماتي والمختلف، لكنه ليس بذلك الشكل المخيف في تصورات المزايدين عليه.. لا أحد يجيد تفسير قوة الرجل وتعاطياته، وربما ضعفه وتوقعاته، لكنه وفي كل مرة يثبت لنا بأنه رجل محترم جدًا، وسياسي يحمل في داخله الكثير من الأخلاق والتواضع، هذا كله يعكس صورة حقيقية عن رجل ذكي وعزيز وشخص يجيد التحكم بممارساته ومشاعره وعواطفه..
حسابيًا، وعسكريًا، وسياسيًا، توفرت لـ العميد أحمد علي عبدالله صالح صلاحيات دولة بأكملها، كان بإمكانه الخوض بها كما يفعل الطامعون الصغار، لكنه نئى بنفسه وأسرته ومستقبله، وآثرهم عليهر، ثم ذهب صامتًا يتابع المزايدات والهلوسات والمبالغات، ليبقي في مكانه هتاك، رجلًا مدنيًا يمارس حياته بهدوء، حتى بعد قتلهم لوالده. لم يصرخ، ولم يزايد، ولم يبالغ، ولم يخرج للتهديد، ظهر يومها يستقبل التعازي والمواساة كأحد المواطنيين المنفيين من وطنهم وبيوتهم، لا أحد كهذا الرجل في السياسة والممارسات، لا أحد تماسك مثله، تاركًا الإغراءات السلطوية والخيالات النرجسية عن القوة والأحقية والافعال، في الجانب الأخر، تآملوا الأخرين، مازالوا الى اليوم يتوعدون ويهددون ويجلبون المزيد من الكراهية والدمار، لم يكفهم ما يحدث لشعبهم بفعل أيديهم وأطماعهم، وفي الحقيقة لا أحد يجيد الإحترام في السياسة غير المحترمين فعلًا، الإحترام المتكون من سيادة الأم، والأخلاق القادمة من رجولة الأب، وهذا شاهد واضح عن جميع أبناء عي عبدالله صالح، جميعهم فعلًا، يحترمون أنفسهم ومكانتهم وماضيهم، ويحترمون شعبهم وشكلهم وهويتهم، ولا يتنازلون أبدًا عن أصلهم ومظاهرهم وكبرياءهم.. لم يغيرهم الواقع الإقليمي على الإطلاق، ولم تأخذهم خسائرهم الفادحة للنيل من حقيقتهم، لم يتغيروا أبدًا، ولم يتملقوا أحدًا، ولم يظهروا بتاتًا بذلك الشكل من التدلل والبياض، وتلك الهيئة الهشة من الإنفصال اليمني عن أصالته، هذا ما سجلته الأيام والمجريات عنهم، وهذا الواقع هو ما يجري بالفعل عنهم منذ سنوات..
أخيرًا: هي مجرد أمنية واحدة، مع رجاء بسيط، تجاوزوا كل شيء عن الماضي بشكوكه ومخاوفه وتشوهاته، وتخيلوا ما نحن فيه اليوم من غوغاء، تخيلوا ما صنعه التشويه فينا نتيجة الغرور والأطماع الباغية، ومع هذا كله، سأتمنى دائمًا أن نصبح منصفين مع واقعنا وتناولاتنا وقناعاتنا المتشكلة حديثًا.