- عبدالرحمن الربيعي
حينما أعيش في الزمن الجميل الذي مضى، فإنني أتخلص من كل الزيف الذي يملأ زماننا، أهرب إليه هروباً جميلا محببًا إلى قلبي ونفسي، ليس هروب الخائف المفزوع، بل هروب المحب الراغب في السعادة، هكذا أشعر وكأنني أوقف دقات ساعات زماني كي لا تتجاوز ذاك الزمان الرائع الجميل من وجهة نظري، فتلك قناعاتي، وتلك مشاعري التي تخترق حصون الحياة الصاخبة القاسية الزائفة، لتعيش خارج أسوارها، وقيودها، لتصنع حياة أخرى، حياة ملؤها السعادة والحب والسلام النفسي، تسيجها أسوار المحبة والود، أرضها مليئة بالخير الوفير، تكتسي حلة خضراء ناصعة مشرقة تشع نضارة، سماؤها صافية منيرة باللآليء اللامعة، والبدر ساطع شاهد على حديث السمار، والأهازيج الممتعة..
والأصوات الحانية التي افتقدناها رغمًا عنا، لكن آذاننا قد احتفظت ببصمة تلك الأصوات الخالدة في القلب على مر الأزمان، ورنينها المتوهج، ونبراتها الحانية..
لا عجب إذن أن يحرص كل منا على أن يخلد بنفسه في عالمه الخاص الذي يريح نفسه ويسعد قلبه، وينير عقله، ويرتقي بفكره، ويسمو بمشاعره..
وربما تكون هذه هي الطريقة المثلى كي تستمر الحياة، فالنفس البشرية لها طاقة محددة، ولا شك أن صراعات الحياة المتسارعة، والزخم الذي نحياه يجعلنا في كثير من الأحيان غير قادرين على الصمود..
فنلجأ لهذا الحل السحري الذي يعيد البسمة على الشفاه، والبهجة للنفس، والسعادة للقلب، والتفتح للعقل، والهوية للذات، والدليل للتائه الحائر وسط متاهات الحياة..
من منا لم يكن له حلمٌ جميلٌ يتراءى أمام ناظريه؟ من منا لا يمتلك ذكرى جميلة يبحر فيها كالغواص الذي يبحث عن اللؤلؤ ويتفقد أماكنه؟.
من منا لا يغمض عينيه كي يستعيد تلك الذكريات المحفورة في الوجدان والقلب؟.
من منا لا يسمع صوتاً محببًا إليه ذهب بعيدًا طعنا في أودية الذكرى وبحور الفقد ودروب المتاهات، وخانة البعد والفراق وزاوية الوجع والأنين لفقدانه؟.
من منا لا تخونه العَبرة حينما تخطر بباله مواقف جميلة صنعها أشخاص رائعون في كل شيء، قلوبهم ومشاعرهم، كلماتهم، مواقفهم، إنهم حقًا طيبون صناع الزمن الجميل.. زمن الطيبيين؟.