- كتبت: وميض شاكر
يا لهذا المونديال الذي انتظرناه منذ ٢٠١٨ ليعيد ميسي والارجنتين الكَرة، فيرفعون الكأس. لم تكن لدينا خيارات غير الكأس أو الوداع أياً كان شكله.
شدة التوتر في خوض هذه التجربة، قد امرضتني قبل المونديال واثنائه، وكذلك في اليوم التالي للمباراة النهائية بين الارجنتين وفرنسا، ليلة حمل ميسي ورفاقه الكأس وتحقق الحلم، ليس حلمهم وحدهم بل حلمنا جميعاً.
يا لها من مهمة شاقة أن تحلم بأن يرفع فريقك الكأس، يا لها من مهمة أكثر من شاقة أن تحلم أن يرفع ميسي ومنتخبه الكأس في آخر فرصة يملكونها. عن نفسي لا أنصحكم بتكرار مثل هذه التجربة مع أي منتخب كان. عن نفسي ايضاً، لا أظن أن الحياة ستجود علينا بتكرارها حتى وإن بقي ميسي في الملعب. لن يجتمع العالم على تلك الحالة الا إذا خُلق ميسي من جديد، خلق مارادونا آخر، بيليه، سقراط، بوب مارلي، ومايكل جاكسون مثلاً.
غير الوجه الباكي الذي أرسلته في رسائل وتعليقات المباركات، لم تكن لدي أي دموع في الحقيقة. لم يكن لدي أي مظاهر للفرح أو الاحتفال، لم يكن لدي سوى صوت الفراغ يملأ رأسي بالرغم من أصوات الاحتفالات والمشجعين من حولي. كنت أبحث عن احتفل حتى بدمعة، كنت اتوق لأخبر هذه التجربة التي ينهار أصحابها من البكاء ويا لكثرة مشاهدها في الاخبار والصور والفيديوهات والمنشورات منذ ١٨ ديسمبر حتى اليوم. تمنيت أن أكون واحدةً منهم، لكن لا حظ لدي.
أخيراً، وبالصدفة المحضة، وبينما كنت اتصفح الفيديوهات القصيرة، وهو الأمر الذي اعتكفت على فعله ليلاً ونهاراً منذ رفع ميسي الكأس، وخلالها شاهدت عشرات الفيديوهات وأنزلت بعضها وأرسلت غيرها للأصدقاء ونشرت أخرى، وبينما أنا اتصفح، شاهدت هذا الفيديو الليلة، حينها اغرورقت عيني بالدمع. لحظة خاطفة، حتى أنها لم تكن لتكفي لأن تنزل تلك الدمعة التي رجوتها أو تمسح، أو ربما من شدة البرد في صنعاء، قد تجمدت في محجرها، لكنني بالرغم من ذلك أحمد الله على تلك اللحظة وإن لم تكن سخية.
نشر الصديق العزيز محمد الوشلي ليلة أمس مقالاً عن “لماذا ميسي”، مقالاً أقل ما يمكن وصفه بالـ “الملحمي”، أعاد فيه الوشلي تصورات ومعنى البطل إلى مكانها الصميم بعد أن “ملططتها” أو أفرغتها وميعتها ثقافة العولمة والوجبات السريعة وتفاعلات السوشيال ميديا خفيفة الكائن وقادة العالم الصغار. هو لم يقل ذلك بالتحديد، لكن روعة ما كتب تحث القارئ على نبش واستحضار مكنونة المعرفي، لذا تقال كلمة “تحدي” في مثل هذه الظروف، تحدي كلمة ايجابية بل مليئة بالكرامة، والكرامة هي أبهى مظاهر الانسان.
لماذا ميسي؟! لأنه البطل. بطل قبل الكأس وبعده، لكن لماذا البطل؟! لإنه من تجد لديه تفسيراً لأعمق معنى في داخلك، أو ادراك برأي الوشلي وهو الأصوب. لقد قضيت وقتاً طويلاً من حياتك، كنت تحاول فيه على الدوام أن تصل لذلك المعنى واداركه، وبرغم المحاولات والاجابات لم تكن تشعر بالرضى. وفي لحظة ما أدركته من دون كلام أدركته، لذلك كلمة إدراك هي الأصوب. بأقل من ١٥ ثانية داخل اطار صورة البطل كما في هذا الفيديو رأيته ومعه ارتوى ظمأك، لذلك تسقط الدموع.
لطالما استوقفتني الجملة التي يرددها منتخب الارجنتين ومشجعيهم في أغنيتهم الشهيرة، وفيها يؤكدون على رغبتهم بحمل الكأس دون ذكر للأسباب، وبدلاً عن ذلك يستعرضون هزيمتهم وفوزهم وأبطالهم وأطفالهم الذين قتلوا في حرب الارجنتين وانجلترا على جزر المالفيناس. في ختام هذا العرض للأغنية تأتي هذه الجملة التي لا تقدم سبباً لتقول: “مهما شرحت لك فلم تفهم”، قد تظهر أنها لا تقدم اجابة أيضاً، لكنها بالنسبة لي كانت من أذكى الاجابات.
ليس عليهم أن يهدوك الاجابة فما من لغة وقدرة في طوع العالم تستطيع أن تصيغ مثل هكذا اجابات، ليس هناك من معجزة بامكانها أن تختزل الاجابة عن كل المعاني التي نبحث عنها في جملة في أغنية، بل عليك أن تهتدي لها بنفسك، أو تدركها، ما عليهم سوى أن يوفروا لك الفرصة لفعل ذلك. وراء كل دمعة ذرفت وأغنية رددت وكلمة قيلت نتاج تجربة طوعية وجماعية منقطعة النظير قمنا بها، إدراك روحي، ووراء كل ذلك بطل.