- كتب: طه العامري
[email protected]
في منتصف القرن الماضي كان الكثير من أبناء تعز قد تمكنوا وبعصامية وجهد وجد وعرق ودموع من تحقيق نجاحاتهم الملموسة في القطاع التجاري وأصبحت أسمائهم تدون في ذاكرة الناس، ومن هؤلاء من اتخذ من مدينة (عدن) مقرا له ومنهم من استوطن مدن أفريقيا والخليج ومدن غربية واسيوية، ولكنهم ظلوا على ارتباط وثيق بوطنهم من خلال مدينة (عدن) النافذة التي منها انطلقوا نحو العالم ومنها كانوا يعبرون نحو وطنهم وقراهم واهاليهم ، فسطعت انجماً تعزية براقة في عالم المال والاقتصاد والتجارة أمثال (هائل سعيد أنعم وأخوانه) و (امين قاسم سلطان الشميري الأمين) و(اخوان ثابت) و(عبد الجليل ردمان) و (يوسف عبد الودود) و(هائل ظافر وأولاده) و(درهم العبسي) و ( نعمان العريقي) و (شاهر سيف الاصنج) و ( الغنامي) و (طه ناجي – المسراخ ) و (قحطان ناجي العبسي ) و (الصغير) و (الحاج عبد الله ثابت العريقي الذي كان يلقب ب (البنك).. و (السفاري ) و( الحروي) و (المطهر) و (الاغبري) و (الحيقي) و (الشوافي) و (عبد العليم العريقي) و (القدسي) و (اليوسفي) و (الدبعي) و (الحمادي) و (المقطري) و (الأثوري) و (الأسودي) و (القرشي) و (الاديمي) و (الاصبحي) و (الخرباش) وعشرات بل مئات من رجال الأعمال والتجار الذين لم تسعفني الذاكرة لسرد أسمائهم وهؤلاء الذين اتخذوا من مدينة (عدن) مقرا لانشطتهم التجارية، فيما هناك العشرات من أبناء تعز الذين استوطنوا مدن القارة الأفريقية أمثال ( أحمد عبده ناشر العريقي) الراعي الأول للثورة اليمنية بشهادة كل من شارك فيها الذين اختلفوا على كل شي لكنهم جميعا أجمعوا على الدور الداعم للثورة والثوار الذي قدمه المرحوم أحمد عبده ناشر العريقي.. وكان معه في مدن أفريقيا كوكبة من رجال الأعمال أمثال عبده طاهر الأقطع ومقبل على والعشرات من رجال الأعمال والتجار الذين عملوا بجد وبعصامية ونقشوا أسمائهم بحروف من نور في هذا القطاع ليشكلوا معا قوام التحولات الوطنية وعلى مختلف الجبهات.. فيما كان آخرون قد نشطوا في دول الخليج وفي دول غربية واسيوية أخرى ولكنهم جميعا لم يتنكروا لاصولهم اليمنية ولم يتجاهلوا وطنهم اليمن ولا محافظتهم (تعز) وقراها التي رأوا فيها النور وصرخوا صرختهم الأولى فيها..
ومع قيام الثورة اليمنية في السادس والعشرين من سبتمبر 1962 م كانوا من أوائل الداعمين لها والساعيبن إلى انتصارها وقد نجحوا رغم تباين قادة الثورة وتنازعهم على زعامتها، فيما هذه الشريحة الوطنية التي قدمت الدعم المادي والمعنوي للثورة لم يكن يهمها من يحكم ومن يتزعم بقدر ما كان اهتمامها محصورا في نجاح الثورة وانتهاء عصر الظلم والطغيان والاستبداد، وان يحيا الإنسان اليمني حرا وسعيدا وبكرامة فوق أرضه وتحت سماء وطنه.. ولهذا وما أن تحققت احلام الشعب بقيام الثورة وسقوط النظام الكهنوتي حتى بادر العديد من رموز الرأسمالية التعزية إلى صنعاء والحديدة وتعز ونقلوا إلى هذه المدن وبقية المدن اليمنية جزءا من أنشطتهم التجارية وبداؤ في الإسهام الفعال بتنشيط الحركة التجارية والاقتصادية والنهضة التنموية.
ولم يكن ثوار سبتمبر يجهلون هذه الحقيقة أو غافلين لدور رجال المال والأعمال ورعايتهم للثورة والثوار ودعمهم اللا محدود لهم، فعملوا من باب تكريم هذا القطاع على تعيين اثنان من أبرز رجال الأعمال في قيادة الثورة هما الاستاذ المناضل علي محمد سعيد أنعم والأستاذ المناضل عبد الغني مطهر، وان كان الأول قد غامر بحياته وحياة أسرته بقيامه بنقل الأسلحة من عدن إلى (تعز) وكان اكتشافه من قبل نظامي الإمامة أو الاستعمار كفيلا بتدميره وتدمير مستقبل أسرته وكل أنشطته، فإن الثاني كان قد أنفق كل ثروته على الثورة، والحال كذلك مع المناضل أحمد عبده ناشر العريقي الذي يكفيه فخرا وصف المشير( السلال له) ولدوره في دعم الثورة والجمهورية وقد رفض كل العروض التي قدمتها له الثورة من باب رد الجميل فرفض كل تلك العروض مؤمنا أن ما قدمه للثورة والوطن هو واجب لا يستحق عليه المكافئة وقد قال عنه المشير السلال : (بعد الثورة زارني أحمد عبده ناشر العريقي فقلت له ماذا تريد؟ هل اعينك رئيسا للوزراء؟ ام اعينك بدلا عني؟ فضحك الرجل وقال لم أتى للبحث عن منصب بل أتيت لاسالكم ماذا تحتاجون؟ وما هي النواقص التي تحتاجونها؟ وفعلا قدمنا له قائمة ببعض الطلبات وخلال شهر كانت كل تلك الطلبات قد وصلتنا)
بعد انتصار ثورة 26 سبتمبر وسقوط النظام الأمامي، دبت الحياة في مدن (الشطر الشمالي) وبدأت الرأسمالية التعزية تأخذ طريقها إلى شوارع صنعاء وتعز والحديدة، وبدت لافتات تجارية تزين شوارع هذه المدن، فيما انطلق أبناء (تعز) يساهمون بفعالية وحماس لكتابة تاريخ جديد للوطن والهوية الوطنية، منهم من كان يكتب التاريخ الجديد بثروته وأنشطته التجارية، ومنهم من كان يكتب هذا التاريخ بسواعده وبتفانيه بعمله وإصراره على النجاح والتميز، ومنهم من استخدم عقله وفكره ليرتقي بواقع وطنه وحياة شعبه، فيما هناك من أنذروا حياتهم في سبيل حماية الثورة والجمهورية..
كان لانتصار الثورة دورا في تحفيز الذاكرة الوطنية الجمعية، فغدت بموجب هذا الانتصار مدن اليمن بمثابة ورش عمل فانهمك الجميع في معترك التنمية الوطنية والبناء الوطني وكان لأبناء تعز الدور المحوري وعلى مختلف المستويات، ومع توافد الرأسمالية التعزية من عدن إلى مدن شمال الوطن نشاء جيلا ثان من أبناء تعز لينشط في هذا المجال فبرزا على إثر ذلك جيلا آخر من العصاميين على قائمة الرأسمالية التعزية فاحتلت أنشطة هذا الجيل محلات شارع على عبد المغني وشارع جمال والتحرير وباب اليمن وشعوب وشارع الزبيري والقاع، وتوسعت صنعاء ومعها توسعت أنشطة الرأسمالية التعزية والحال كذلك انطبق على مدن الحديدة وتعز وإب وذمار وصولا إلى مأرب والمحويت والجوف وصعده وحجة وعمران..؟!
جاء الجيل الثاني من رموز الرأسمالية التعزية بصورة ( عبد القوي عثمان على الاغبري) و (شاهر عبد الحق) و (الخرباش) و (عبد الحق سعيد) و (عبد التواب سعيد) و (الرفاعي) و (العامري) و (الصلوي) و (الشيباني) و (قحطان ناجي) وكوكبة من رجال المال والاقتصاد الذين أثروا بأنشطتهم الحياة الاقتصادية والتنموية الوطنية وساهموا في إنعاش الحركة الاقتصادية.. لكن سرعان ما بدت الارتدادات السلبية تلقى بظلالها على قطاع الرأسمالية التعزية وكان (لعنة) أصابت هذا القطاع أو ( عين حاسدة) إصابته وأصابت رموزه، فبدأ التلاشي وكأنه فعل مخطط له وممنهج ومدروس نفذته أيادي (شيطانية) متخصصة وماهرة في طمس المأثر والاطياف الإيجابية.
يتبع….