- كتب: ضياف البراق
أمشي بكل هدوء في شارع حارتنا عائدًا من السوق إلى الغرفة، وأُردِّد بصوت منخفض كلمات من شعر البردوني، فسمعني رجلٌ بسيط جدًا، عمره نحو سبعين سنة، كان يمشي خلفي، فأوقفني بصوته وهو يبتسم، فاستجبتُ له، وسألته فورًا:
- لمن هذه الكلمات؟
فأجاب ببساطة الفلاح وروعته:
للبردوني!
وأنا أصافحه بشغفٍ مَرِح: - هل تعرفه يا عم؟
باندهاشِ الطفل الفَطِن: - نعم، أحفظ اسمه من زمان!
- وهل تحبه؟
- أيوه أحبه، فهذا شاعر عظيم.
ثم أضاف من تلقاء نفسه: أنا، يا ابني، إنسان بسيط لم يعرف المدرسة، لا أقرأ ولا أكتب، لكن أيامي القاسية علّمتني الكثير. - طيّب، كيف عرفت البردوني؟
يبتسم أيضًا: - الشكر لمذياعي القديم، هو الذي أطلعني على كثير من نجوم العالم.
- آه، ما أنقى زمانكم، كان أقلَّ جنونًا من زماننا!
ومشينا نتكلم ونضحك إلى حيث توادعنا وافترقنا. ليتني غدًا ألتقيه وأعانقه أكثر. هذا سيحدث بالتأكيد، ومن جهة المصادفة أيضًا. أنا دومًا أبحث عن هذه البساطة العذبة، ألهث وراء الدهشة التي لا تشاهدها عيني ولكن تراها بصيرتي. أنا تسعدني هذه التفاصيل البسيطة من هؤلاء الناس البسيطين، الأنقياء. يسعدني أن أستمع إلى حديث البراءة المدهشة، كيفما كان، وفي أي وقت. البهجة هي الحوار مع هذا الجمال البريء الدافق من روح هذا الإنسان العادي. أنا يُسعدني وجهُ البردوني ويُنعِش روحي. كان يملك وجهًا واحدًا وحسب، هو وجه الجمال والحقيقة معًا. وكان وجهه شِعرًا خالصًا. ويدهشني الكثير من فكره وشعره. أنا يسعدني المشي على إيقاع الشعر. إنني سعيد ومدهوش من تلك الابتسامة السهلة التي عانقتني اليوم في الشارع. لم يسألني من أنا ومن أين وما هي صفتي. وأنا أيضًا لم أسأله في تفاصيله الشخصية؛ معرفة الأرواح تكفي. عناق القلوب يقول لنا كل شيء، الحياة موجودة في المصادفات الجميلة. كم أحبك أيها الشارع، أنت كتابي المُفضَّل، دائمًا، نَعمْ أنت مُلهِمي الأكبر!
- من كتابي (النافذة لا تعني شيئًا).