- شوقي نعمان
الألم لا يصنعك كاتبًا ولا المعاناة تجعل منك عظيمًا،هذا كله وهم يباع ويشترى عند الكثير…
الألم يجعلك شخص أكثر انعزالاً ،أكثر نفورًا ممن حولك،
يسلب قوتك في مواجهة الواقع والحياة معا.
المعاناة كذلك تسرق منك أحلامك ،طموحاتك،شغفك ورغبتك أيضا
لازلت أذكر حين قال لي أبي ان العظماء يولدون من رحم المعاناة،كنت أدرك انه خاطئ وهو يدرك ذلك بنفسه ،لكني لم اعاتبه خشية من توجعه وتحسره لفشلي الذي أعيشه على هيئة يأس حميم..!
ربما البعض منا قادر على تجاوز هذا الغيم ولكن لفترة قصيرة جدا وسيجبره الوقت إذا لم تهزمه الحرب على الاستسلام أو تقديم التنازلات عن الكثير من الأشياء.
ذات يوم قالت لي أمي: سريعا ما يُصاب الشاعر والكاتب والأديب بمرض القلب لا يعرف الأطباء تشخصيه كما يجب فتشيخ الحياة فجأة في قلوبهم فيتركوا كل شيء،بين الحقيقة والعدم بين التيه والخيال،
يتركوا أحلامهم تشيخ ورفاقهم كذلك يتوزعون بين السجن والمنفى والنسيان والغناء والجوع،الجنون
قالت لي أيضا في يوم آخر ،يا إبني يومًا ما ستُصاب بالكثير من الخذلان وستترك الأحلام الوردية التي باعوها لك الرفاق والأصدقاء،ستذهب بعيدا تبحث عن عالمك بين ثنايا الوجع تاركًا كل شيء، غير مكترث لشهادتك أو تخصصك أو علاقتك الواسعة جدا….!
يا إبني اسمعني جيدًا هناك فرق بين من يبيع الوهم وبين من يحتضنك،بين من يقدم لك النصائح ،وبين من ينتشلك من الجحيم ،ربما لم تقل بهذه اللهجة لكنها قالت هذا
بلهجتا العامية الخاصة بالحديث بيننا !.
في وطن معتل النوان ومنصوب بالوساطة ومرفوع بشيخ القبيلة ومفزوع برجال الدين لن تجد ذاتك إلا تائه غريب أو مجرد مطية وبوق يوجهونك كيفما يشاءون !. حاشى لله.
قال أبي ردًا لهذا وذاك وتلك:
يتجاوز الإنسان تعثراته بالعمل والكفاح ليس بشيء آخر،
انتصر لنا ولك من واقع هذه الحياة البائسة،لا نريدك مناضلاً في هذا الوهم، تتنقل بين السجون مثل شقيقك لسنوات،
لا نريدك فيلسوفًا بلا عمل، تبيع المنطق والحكمة للجهلة والاغبياء،
نريدك شخص آخر ،شخص يعمل ويكافح بكل الطرق شخص ينتج أكثر مما يتكلم شخص لا يبحث عن الشفقة الآخرين..
لم أكن راضية عنك حين درست هذا المجال لأني أعرف واقع من سبقوك ومدى تشردهم وكيف وقعوا ضحايا في هذا الوطن؟؟
أيا بني: أنت أملنا الوحيد ومنقذنا الأخير فلا تخذل توقعنا وحلمنا المرتبط بك..!
حسنا يا أمي دعيني أرد النفس واكتم تنهداتي وأخبرك عن كل شيء بالتفصيل !.
مرت الأيام تلو الأيام وأنا أتنهد وأبكي ولم أخبر أمي بالتفاصيل .
لكني أصبحت ممتاز بحفظ الشعر وأجمل قصيدة قرأتها للمتنبي” أنا الغريق فما خوفي من البللِ”
وحتى اللحظة لازالت غارقا هنا في عنق قصيدة الوطن المذبوح من كل أمل انتظر النهايات التي تليق بي وبكل شباب هذا البلد.





