ADVERTISEMENT
بيس هورايزونس
  • الرئيسية
  • قضايا انسانية
  • أخبار الفن
  • اقتصاد
  • رياضة
  • منوعات
  • ثقافة
  • نصوص
  • من نحن
  • اتصل بنا
No Result
View All Result
  • الرئيسية
  • قضايا انسانية
  • أخبار الفن
  • اقتصاد
  • رياضة
  • منوعات
  • ثقافة
  • نصوص
  • من نحن
  • اتصل بنا
  • الرئيسية
  • قضايا انسانية
  • أخبار الفن
  • اقتصاد
  • رياضة
  • منوعات
  • ثقافة
  • نصوص
  • من نحن
  • اتصل بنا
الإثنين, نوفمبر 10, 2025
  • الرئيسية
  • قضايا انسانية
  • أخبار الفن
  • اقتصاد
  • رياضة
  • منوعات
  • ثقافة
  • نصوص
  • من نحن
  • اتصل بنا
No Result
View All Result
بيس هورايزونس
No Result
View All Result

ليتني أعود يا حضرموت (1)

by بيس هورايزونس
17 أغسطس، 2022
ADVERTISEMENT
Share on FacebookShare on Twitter
  • كتب: محمود ياسين

وأخيراً، أقلعت البوينج الصغيرة من مطار صنعاء، وكأي طفل فرح لأول مرة، كنت شغوفاً وخائفاً في آن واحد، فليس من بدائل غير الموت. التزمت بأهداب النوافل التي بثت بعض الاطمئنان في نفسي (صيام، قيام الليل، حفظ القرآن).. وبعد 50 دقيقة من الطيران، وجدتني أقف في أرض مطار الريان، وبدأت أتنصل في الأرض مما كنت التزمت به في السماء، قائلاً لنفسي: “ما شاد أحد الدين إلا غلبه”.

قبل هبوط الطائرة بدقائق رأيت المكلا من الجو، كان منظراً مدهشاً، مدينة بيضاء معقوفة تخالها مدينة كاميلوت الأسطورية، بياض المدينة وزرقة البحر. إنها شيء لم يسبق لي رؤيته، جبل صغير يحمي ظهرها، وخلفه عمران جديد مبعثر وغير متجانس ورمادي أيضاً. أقول لنفسي ماذا يحدث في الداخل؟ تجاوزنا سماء المدينة، وما هي إلا دقائق حتى هبطت الطائرة.

غادرت المطار، وبدأت أبحث عن تليفون لأخبر أحدهم أنني وصلت بسلامة الله، رغم علمي أنه لا يعنيه بأية حال وصلت.

ADVERTISEMENT

وعدت لأبحث عن سيارة تقلني إلى المكلا. كان السائق شديد سواد الوجه، شديد بياض الثياب. لكنه رفض التحرك إلا بستة راكبين يدفع كل منهم 100 ريال.

حاولت دفع النصف والباقي عليه، فرفض. قلت: أدفع إيجار 5 راكبين وواحد عليك، فرفض أيضاً، ولأنني في عجلة من أمري كعادتي، فقد دفعت الإيجار كاملاً. هؤلاء الناس يعرفون جيداً قيمة الريال، ولذلك تحول المهاجرون الحضارمة إلى أباطرة اقتصاد.

الشمس ترسل ما تبقى لديها من أشعة لتمر على رؤوس النخيل وبعض المباني، والسيارة كأنها تلاحق زمناً سيفر من بين إطاراتها.. “هذه هي الديس”؛ قال السائق.. الديس تعني الدغل، عمارات تتحدث عن برجوازية غير متذوقة، بناء عشوائي ودكاكين وأتربة، ثم لا شيء..! انحدرت السيارة إلى طريق يمر بخليج كريه (إنه خليج البلاعات)، له جسر يربط بين ضفتي الخليج، ليصل بين الديس والشرج التي يسمونها مدينة العمال، وخلف الجبل باتجاه البحر تختبئ المكلا، إذن، هذا هو الجسر الذي سقط عليه قتيلان وبعض الجرحى أثناء إحدى المظاهرات.

ثمة لجنة لتقصي الحقائق شكلها مجلس النواب، عادت من هذه المدينة بأشياء كثيرة، إلا الحقائق لم تعد بها.

انعطف السائق شمالاً لندخل المكلا من شارعها الوحيد، ليست كما رأيتا من الطائرة -تبدو متجهمة وقلقة- شارعها الرئيسي مزدحم بالسيارات، والوجوه غير متجانسة.

كان اسمها الخيصة “أي مرفأ الزوارق”، عمرها قصير جداً. كانت مجموعة أكواخ للصيادين حتى منتصف القرن السادس الهجري، وعندما عاد الشيخ يعقوب بن يوسف من بغداد مع أولاده، مرض في عرض البحر، واختار الخيصة لينام فيها إلى يوم الحشر. أصبح قبره الآن مزاراً يتبرك به أبناء المدينة الذين جاؤوا إليها من كل مكان. مدينة ساحلية تحتضن الثقافات والسلالات، وتحاول صهرها في بوقتة واحدة.

وتحاول أيضاً صهر جمجمتي بحراراتها الشديدة وأسئلتها المعقدة وفنادقها المرتفعة الأسعار.

عدت إلى الديس بعد المغرب لأجد غرفة أفر إليها من أشياء كثيرة. سعرها يهز ميزانية البنك المركزي، فما بالك بميزانية متشرد مثلي. الغرفة كانت ضريحاً ملكياً رائعاً. تكييف يعمل جيداً، وتليفزيون يفصلني عنه بعض السنتيمترات، وسرير يكفي نصف نزيل. أهكذا تستقبلينني يا حضرموت؟ لا يهم..

بين الكادح القديم ولينين حضرموت

غادرت الفندق في الصباح، وتوجهت فوراً من الديس إلى الشرج، لأبحث عن العمال في مدينة العمال.

لكنني التقيت بأحد الشغيلة والكادحين القدامى.. الرصيف بيته، والأشياء القديمة غير الصالحة للاستعمال بضاعته.. يتسول على الطريقة الأوروبية، حيث يبيع الكهول أشياء حقيرة كنوع من التسول المؤدب. المسكين يغني أغاني شبابية مشهورة -البائس كان يبيع الولاعات العاطلة، ويبيع صورته القديمة التي كان يأسر بها قلوب العذارى. الكهل الذي يتسول ويغني، كانت له “مشاهرة”، ولا يدري لماذا لم تعد لديه مشاهرة، ولا يدري أيضاً أنني بكيت لأجله واشتريت منه ولاعة حزينة. كان في عينيه أسئلة وأسف، ومحاولة للتشبث بأي شيء، إنه بلاد تحاول فعل شيء، أي شيء، حيال كل شيء. كان بائساً، وكان اسمه سعيد.

أفضل مصدر للمعلومات هم سائقو التاكسيات القديمة، عادة ما يكون السائق في خريف العمر يرتدي فانلة بيضاء نصف كم، ويجلس خلف مقود السيارة إلى اليمين. كيف حالك يا أخي؟ فيقول الحمد لله، وأبدأ طرح أسئلتي التقليدية لأعرف أن هذا الرجل نال تعليماً وسطياً، وأن الأسعار مرتفعة، وخصوصاً قطع الغيار، وأن الشعب واحد، لكن الرشوة منتشرة، والنظام غائب، يتكررون دائماً. لكن الذي لفت انتباهي هو أن معظم الناس تعلموا في المدارس العامة ومدارس مكافحة الأمية.

الحزب الاشتراكي محا أمية الكثيرين، إذ دخل الحزب أيام انفراده بحكم هذه البلاد، في معركة على جبهتين: محو الهوية، ومحو الأمية. أخفق الحزب في الأولى، ونجح في الثانية.

واقفاً كنت في ساحة قصر القعيطي الذي أصبح في ما بعد متحفاً. إنه إلى اليمين في أول الشارع الوحيد الذي تملكه المكلا.

كان إلى جواري أحد الطلبة العائدين من روسيا (لم يجد عملاً إلى الآن)، وصحفي شاب اسمه أنور الحوثري. دؤوب هذا الحوثري.

أشار الحوثري بيده نحو رجل في أوائل الثلاثينيات من العمر، قائلاً: “هذا حسين باصالح، مدير مكتب الثقافة ومنظمة حقوق الإنسان. شعره طويل بشكل ملفت للغاية، ماركسي عتيد وسابق، كانوا يدعونه لينين حضرموت.

ضيفني باصالح بربطة قات وقنينة مياه معدنية، تحدثنا كثيراً، فكلانا من النوع الذي يقول كل ما لديه في أول لقاء.

من غوغول والرواية التي خرجت من معطفه، إلى مسرح العبث واللامعقول، إلى هوجو والبؤساء وأحدب نوتردام.

عن أدب الحرب وحرب الانفصال، عن باصالح الذي أعلن توبته من جريمة الانفصال رسمياً.

رائعاً كان باصالح، وممزقاً أيضاً. ليته يعذرني عندما رأيت فيه أشياء من لوحة الأمثال لبيتر بروغل، حيث الشخصيات التي تقدم على أشياء غير معقلنة وعبثية أيضاً.. “رجل يسبح ضد التيار، وآخر يبذر قمحه في مهب الريح، ناهيك عن الجالس بين مقعدين خاليين، وذلك الذي يعترف للشيطان، وفي مساحة أخيرة من اللوحة لمحت حسين باصالح، حيث المرأة التي تسير خلف زوجها العجوز، وتحاول تغطية عينيه بمعطفها الرمادي، وكأنها تحاول إخفاء فضيحة لم ترتكبها”.

صنع باصالح لنفسه زوجاً عجوزاً، وافترض فضيحة لم يعد يذكر تفاصيلها.

“بدون أنانية السياسة وعنف التحولات، وبغير مآزق المثقف التي يعيشها باصالح كغيره، كان بإمكان الماركسي السابق صديقي الجديد، ألا يقع في حالة انعدام الوزن”.

قرأت في عينيه تاريخاً مكثفاً من مخلفات التجريب واختزال الإنسان.

تكمن مأساة باصالح في أنه لم يكن يملك خياراً آخر منذ رحيله إلى موسكو وحتى التوبة الرسمية.

بعض الرفاق الروس يناقشون الآن عرضاً قدمه أحد رجال الأعمال الأمريكيين باستثمار جثمان لينين المحنط عن طريق التجول به في بعض معارض العواصم الغربية.. مقابل الكثير من الدولارات، وهكذا يقدم لينين روسيا آخر ما لديه للنظرية..
فماذا سيصنع البريء لينين حضرموت؟

من دائرة المعارف إلى المتحف المنهوب

ومن “لينين حضرموت” إلى “دائرة معارف حضرموت”، كان الطريق قصيراً، إذ إن حسين الجيلاني يتناول القات على بعد أمتار مني ومن حسين باصالح.

رحب بي، وأفسح لي مكاناً إلى جواره في المقر الرسمي لمنتدى الخيصة الثقافي، الذي يحتل الجناح الأيمن من قصر القعيطي.

يتذكر الجيلاني أدق التفاصيل عن حضرموت التاريخ والأعلام، ذاكرة جبارة وطريقة عرض مغرية. إنه دائرة معارف بحق.

فمن صراع كندة وقبيلة حضرموت إلى الإسلام إلى… حتى قال: وباختصار هذه بلاد إنسانها مجرد تدين وهجرة، ولذلك جاء أصحاب اللحى، وورثوا تاريخ التراكم الروحي والاجتماعي لإنسان حضرموت… غير أننا لم نسمع منهم على الأقل ولو مشاريع نظرية.. السبب الآخر هو أنهم أدركوا سر الإنسان الحضرمي. يتحدث الجيلاني أمام أسئلتي المتلاحقة التي تشكل في الأخير سؤالاً واحداً: من أين جاء الحضرمي الآن؟

“يا ابني أنت بحاجة إلى دراسة متكاملة في الأنثروبولوجيا حتى تحصل على ما تريد”؛ هكذا قال الجيلاني.

الحضرمي في الساحل جاء من زواج الثقافات والسلالات، ومن الشعور بأكثر من وطن، وتعلم أن يتأقلم مع الأوضاع الجديدة، لأنه أقل شعوراً بالانتماء.

أما في حضرموت الداخل، فالإنسان ميراث تدين وهجرة.. وطغت عناصر الشخصية المتدينة على كامل حضرموت.

الكلام السابق كان وثيقة للتفاهم وقعتها أنا والأستاذ الجيلاني، كمحاولة لصناعة إجابة ما على أسئلة كثيرة حول الهوية والروح الجماعية والحضرمي الآن.

الجيلاني ماركسي سابق، ترك النظرية في أواخر السبعينيات، وفي عام 1990 أسس منتدى الخيصة الثقافي، الذي يقدم الكثير من خلال الندوات الأسبوعية، في الأدب والفن والفلسفة والتاريخ.

ويصدر المنتدى نشرة رائعة غنية بالمادة الأدبية، اسمها “الخيصة”. صافحت الجيلاني مودعاً جلسة المنتدى، والجناح الأيمن من قصر غالب القعيطي الذي أصبح مقراً لمنتدى الجيلاني الرائع الذي يسميه رواده بـ”هايد بارك”، أما الجناح الآخر من قصر الجمعدار السابق والسلطان اللاحق عوض القعيطي، ذلك اليافعي الذي هاجر ضمن من هاجروا إلى حيدر أباد في الهند، وأصبح جندياً في جيش حدير أباد، ثم.. ثم.. برتبة جمعدار على وزن حكمدار وخازندار.

وبينما كان الجمعدار في حيدر أباد، كان “الكساديون” الذين يحكمون حضرموت الساحل، بحاجة إلى من يحميهم من أطماع “الكثيريين” الذين يحكمون حضرموت الداخل، إذ بدأوا بتهديد المكلا عسكرياً.

استعان الكسادي بالقعيطي وفق شروط مسبقة، بجزء من السلطة، وبكثير من المال.. وتمكن الاثنان من دحر جيش “الكثيريين”، واحتلال الشحر عسكرياً.

بدأ الجمعدار يتصرف كسلطان آخر، وبدأ الكسادي يشعر بخطورة القعيطي، اقتتل حلفاء الأمس، وانتصر القعيطي على السلطان الضعيف، لينفرد بحكم حضرموت الساحل، ويؤسس السلطنة القعيطية، ومن ثم أبرم معاهدة صداقة مع بريطانيا عام 1888، وينال من بريطانيا لقب سلطان بدل جمعدار، عام 1902.

القصر نموذجاً للقصور الهندية، بناه السلطان غالب القعيطي عام 1925: أبيض ومهيب، يقع إلى اليمين من أول الشارع الذي بدخلك إلى المكلا، ويطل على البحر. أصبح متحفاً منذ رحيل القعيطيين عام 1967. رائحة السلطنة التي تخيلتها كثيراً. بعض الآثار القديمة غير المنظمة في الدور الأول، ثم سلم ملكي فخم يفضي إلى الدور الثاني الذي يحوي صور السلاطين بشواربهم الطويلة وأنوفهم الشامخة.

وهنا كان السلطان يجلس على كرسي من الفضة الخالصة، وهناك الملابس ذات الطابع الهندي الخالص. وملابس نسائه وأولاده، وفي الجهة الأخرى الصالون الذي كان يستقبل فيه الضيوف. “لا شيء يثير الإعجاب”، سلاطين مملون للغاية، ومتحف ملفق.

عندما سألت المدير عن سبب عدم وجود الوثائق والأسلحة والتماثيل التي قرأت عنها في المتحف، وعدم احتوائه إلا على القليل من الآثار.. قال: حرب الانفصال جعلت المتحف يفقد السيوف والملاعق الذهبية والوثائق وبعض التماثيل والتحف.

لقد تعرض المتحف للنهب، ولم يبقَ منه إلا الأشياء التي كانت مكدسة في إحدى غرف القصر.

ومن الطرائف التي تروى أن آخر السلاطين كان في الـ12 من العمر، فوضع الحاشية له شارباً مستعاراً عندما تسلم أمور السلطنة رسمياً.

غريب في مدينة مرتبكة

غادرت قصر القعيطي لأبحث عن حضرموت الساحل التي لم أعرفها بعد، عن الإنسان والتاريخ المهاجر.

ضللتني هذه المدينة، ولم أتمكن فيها من ممارسة الشعور الموحد. متدينون وصعاليك وتجار ومثقفون وصيادون يختلفون في كل شيء، إلا في الرغبة الملحة في الاستقرار والأمان. الشاطئ المرصوف بالأحجار الكبيرة، والمتنزهون وزوارق الصيد إلى يميني. وإلى يساري تتزاحم المباني البيضاء في صف واحد، وكأنها تتحدى البحر أو تغازله. للمباني شعور جامح نحو البحر، إنها حصيلة آلاف السنين من علاقة الإنسان بالمحيط، فمن المحيط أتى المهاجرون، وعلى دعوة الموج بالربح والمغامرة غادروا هذه البلاد.

لا تزال لديّ أسئلة، ولا زالت المباني خطاً أبيض، ولا زال البحر مغامرة لذيذة وغامضة.

الزوارق اليخيلة تتأرجح بثقة في قدرتها على الاستمرار في المغامرة.. “إنها مهنة أبناء هذه المدينة الأولى”.

يلي ذلك التجارة والوظيفة العامة. مهن لم تعد تعطي الكثير. تجاوزت الميناء القديم، وأصبحت في قلب المدينة (سوقها المركزي).. إنهم يتحدثون يتهامسون ويضحكون -دوائر كثيرة من لاعبي “الضمنة” التي يجيدها الجميع- أما تدخين التمباك والمعسل فله حلقاته أيضاً.

إنهم يمارسون كل شيء بشكل جماعي، وأنا وحدي أحاول الانتماء لأية مجموعة دون جدوى. كانت الأماكن مزدحمة بكل شيء، وأنا غريب يتذكر الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، عندما قال: “في الزحام لا أحد”.

كان النهار يحزم حقائبه، وذوو السحنة السمراء لا يعنيهم أثر النهار المهاجر. لم يكن اليوم اثنين أو جمعة، لذلك فلا أحد يتناول القات من هؤلاء، ومعظمهم لا يتناوله البتة.

أسأل عن “الخلف”، والجميع يحاول إرشادي “إنهم طيبون”. تجاوزت كل هذا الأمر من جوار مقبرة ولي الله يعقوب، التي أصبحت مقبرة خاصة بعلية القوم، وأتجاوز حياً صغيراً.. إلى شارع يحتضنه الجبل، ثم إلى منطقة “الخلف”، حيث الميناء الجديد ومحطة توليد الكهرباء ومصنع تعليب الأسماك “الغويزي”.

ستدور معي حول الجبل أمام الساحل الصخري الجميل الذي يصلح للنشوة والتفلسف، ولا يصلح للسباحة.

مشاريع استثمارية تطل على هذا الساحل، توقفت جميعها، وتركها المهاجرون نصف مشاريع، وعادوا إلى أوطانهم الجديدة، ناقمين على كل شيء، إلا على وطنهم القديم “حضرموت”. لا أحد يتركهم ينفذون مشاريعهم بسلام، إطلاق النار، محاكم، تهديد، ابتزاز، والأهم من ذلك شعورهم بالركود الذي أصاب هذه البلاد، بالإضافة إلى عدم شعورهم بالأمان.. ورأس المال جبان كما يقولون. دورة كاملة وتعود إلى الديس من طريق المطار.

بعد الوحدة انتشر العمران في الديس والشرج، وطريق المطار، مدن جديدة تم بناؤها، وتحولت المكلا (المكلا القديمة، الديس الشرج) إلى ورشة كبيرة، رفعت من قيم العقار والدخل وفرص العمل والتوتر، وجاءت حرب صيف 94 ليتراجع كل شيء إلى درجة التجمد. وحده التوتر أصبح بعد الحرب أكثر عنفواناً.

هذه المباني الجديدة لم تجد الخدمات العامة كالتليفون والكهرباء والمياه، إلا القليل منها.

أصبح لدى الناس أسئلة احتجاج وأسف، وأصبحوا مستفزين إلى درجة كبيرة، ولذلك فهم يعبرون عن احتجاجهم دائماً، ويتجمهرون حول أي شخص أو حزب أو شعار يتحدث عن همومهم، ويلامس فيهم الإحساس بالظلم. سألت السائق والمثقف والتاجر و… الخ، يختصرون كل شيء في أسفهم تجاه فساد الإدارة، ويجيبون على أسئلتنا بنفس الإجابة الأولى.

فرحوا برحيل القبضة الحديدية، وبمجيء الوحدة، لكنهم فوجئوا بالفوضى التي لم يعهدوها من قبل.

هذه مدينة ربما تختلف في اختياراتها للأطعمة والأزياء، لكنهم يجمعون على حب المحافظ، وفي نهاية كل كلامي عن الإدارة والقضاء والرشوة، تتكرر الجملة القائلة: بصراحة المحافظ أحسن واحد في الحكومة.

هذه هي عاصمة حضرموت “المكلا”، أبرز نموذج للساحل التاريخي، وعنوان حضرموت السياسي والثقافي. الارتباك والذهول ومحاولة ترتيب الأوراق، انعدام الوزن، هذا هو المأزق الذي صنعته الأحداث حينما لم تراعِ حساسية هذه البلاد تجاه التغيير السريع، وتجاه كل ما من شأنه إزعاج المجتمع المدني الذي يتجسد في حرص الحضرمي وهدوء الحضرمي، وحب الحضرمي للعمل والسلام والوضوح.

لماذا تبكين يا مارينا؟

“لا تعذبني وإلا، سرت وتركت المكلا لك…”؛ لا أدري ما الذي عذب الشاعر حسين أبو بكر المحضار، ليهدد بمغادرة المكلا.

أما أنا فقد عذبتني الحرارة والبؤساء والأسعار، وشكوى الناس من الفساد وعشوائية البناء، ثم عدم قدرتي على احتواء هذه المدينة في وجدان واحد، حتى الشمس تعامدت على جبهتي وكأنني رمسيس الثاني في تاريخ ميلاده.

أتصبب عرقاً وغيظاً في انتظار سيارة تحملني إلى محطة النقل من الديس حضرموت الساحل إلى سيئون، حضرموت الداخل.

في الديس محطة المغادرة على سيارة عتيقة 300 كيلومتر في 6 ساعات عبر طريق نصفه جيد بسبب ردم حفره ومطباته، والباقي رديء للغاية (هكذا أخبرني أحدهم).

الديس، الـ11 ظهراً، الشمس أجلت سكان العالم، وتفرغت لي وحدي، بقي راكب واحد وتتحرك السيارة، كل متسولي المكلا تجمعوا في هذا المكان، وأنا أوزع ما لديّ من نقود معدنية على الأطفال والعجائز الذين لم أرَ مثيلاً لفاقتهم حتى الآن، وأوزع اللعنات على رأس السياسة والاقتصاد والنظام العالمي الجديد ودرجة الحرارة، وأشياء أخرى لعنتها سراً كأي مؤمن ضعيف.

عمارات قبيحة، أتربة ومتسولون، عيون مطفأة، وطفلة لا تدري لم هي جائعة وحافية، بينما يضحك الطفل الذي يعابثه أبوه داخل السيارة. القبح يحصارني، ورائحتي أضافت إلى اللوحة اللعينة عنصرها العميق. كل شيء إلا مارينا، كانت منطلقة نحو سيئون لتكمل عناصر رسالتها في الدكتوراه عن القبيلة اليمنية. مارينا بنت الإغريق تسافر وتتعلم وتبكي لأجل هؤلاء الأطفال الحيارى، لمحت دموعها، إنها الدموع لغة العالم الموحدة التي لم تقسمها الأطماع والحروب. تتكلم العربية بشكل مفهوم إلى حد ما. جاءت من “كريت” في جنوب اليونان، لتبحث عن سر القبيلة اليمنية، وعن تاريخ الإنسان في هذه الأرض، “وعن خوفها من الاختطاف حدثتني”، وعن أشياء كثيرة حاولنا بها اختصار الطريق الطويل.

قبل كل هذا الحديث، كان القبح ولعناتي ودموع مارينا، وبعدها بقليل تحركت السيارة، وبدأت تنهب الأرض نهباً، التفت يميناً نحو البحر، كان بعيداً، وزرقته لذيذة مودعة.

بدأ يختفي شيئاً فشيئاً، وانعطفت السيارة باتجاه الغرب، أرض جرداء قاحلة جعلت مارينا توقف السيارة لشراء الماء تكراراً، أين يذهب كل هذا الماء؟ وكأي عربي قبيلي كنت أدفع ثمن المياه، وتفرح مارينا لأنها وجدت من يهتم بها، وبدأ حديث طويل عن الأطفال وبؤسهم واستغلالهم في 6 قارات. تذكرت عندها كم كنت مجرماً عندما منحت أولئك الأبرياء القليل مقابل احتشادهم أمام الكاميرا، ففعلوها ببراءة، وفعلتها أنا بكل وحشية، ليتهم يعذرونني ذات يوم، هم لا يملكون فعل ذلك، لكنهم ربما يتذكرون دموع مارينا التي جعلتني أحب الإغريق، بمن فيهم أهل إسبرطة الذين كانوا يعذبون الأطفال في سهول الجليد.

الطريق إلى المدينة في الأخدود العظيم

السيارة تتسلق مرتفعاً جبلياً كبيراً ينتهي بهضبة واسعة تمتد غرباً باتجاه الداخل، الطريق يمتد وعلى جانبيه الأخاديد الصغيرة التي بدأت تكبر وتتسع كلما أوغلنا في الطريق.

هذه الأرض الجرداء هي الفاصل بين حضرموت الساحل وحضرموت الداخل.

3 ساعات من السرعة والحرارة والعطش والأخاديد التي تتسع أكثر وأكثر.

قرية صغيرة عطشى تتكون على جانب الطريق، وكأنها كائن كبير ضل طريقه فتجاوزته الأزمنة.

مسافات شاسعة بين كل قرية وأخرى، ومطعم لا يقدم إلا لحم الدجاج والكباش والأرز على الطريقة الحضرمية الشهية والشهيرة. إنه المندي الحضرمي.

بدأ الطريق يتقادم، ويبدي عاهاته المحفورة على وجهه، وبدأ يتخذ وضعاً انسيابياً يهبط بنا نحو أشواق خضر.

الطريق عائلي وخاص، تشعر أنه ممر خاص بأم وأولادها يذهبون ويعودون آخر النهار، فغرقت في نشوة مرتبكة، وكأنني فرد في تجربة فيزيائية.. إنني أسافر عبر الزمن.

شعور آخر “مكان لم أتذوقه طيلة حياتي”.. الشمس لم تعد عدوانية لأنها اتخذت وضعاً آخر، وأشعتها تمسح رؤوس الأشياء، تربت على المكان. المرة الأولى التي أسير في طريق عائلي يمر بين النخيل.. النخيل تخبئ البيوت التي امتصت أشعة الشمس الذهبية، ورفضت إعادتها. إنها بيوت تبتهج.

كل شيء هنا يهمس، ويلملم بعضه بعضاً. البيوت بيضاء وذهبية تغازل بعضها وتعانق، توزيع لبيت واحد فيه أطفال مدهوشون، وكهل يحكي قصصاً خرافية (خيل إليّ هكذا).. أخدود عظيم يلملمك ويغريك بالاستمرار بالنقاء والأصالة.

“يا للروعة”؛ هكذا كنت أكرر على مدى ساعات. ويبدو أن السائق ضجر من هذه الجملة، قائلاً: “يا أخي المنظر عادي، واللي يشوفك يقول جاي من أوروبا”.

أما الإغريقية مارينا فكانت عيناها تحاولان ابتلاع المكان دفعة واحدة، وكأنها أول من رأى شلالات فيكتوريا.

يطول الطريق، ويتكرر تدفق القرى والنخيل والدهشة. “هذه شبام” التي يسمونها أقدم ناطحات سحاب. من يسكن هذه الشواهق؟ بيوت متجانسة متلاصقة شاهقة.. يقال إن النساء هن المستفيد الأول من هذا النظام العمراني، حيث يتابعن التنزه من مخادعهن، ويمارسن النميمة على الأسطح.

بإمكانك أن تدخل من أول بيت في شبام، وتخرج من آخر بيت، دون الحاجة إلى المرور في الشارع، ما عليك إلا اجتياز الأسطح المتلاصقة. شبام: إحدى أهم محطات طريق البخور وطريق اللبان الذي كان يبدأ في الشحر، وينتهي في خليج العقبة في الأردن.

رحلت الشمس بعد تجاوزنا شبام.. بعدها بقليل كان المكان سيئون. وقفنا في السوق الرئيسي.. هل غادر السكان المدينة دفعة واحدة؟ جميع المحلات التجارية مغلقة.. قال السائق: “الناس يصلون مغرب”.

شعرت بالضيق، وكذلك كان شبح القصر الشهير. إنه قصر السلطان الكثيري الذي بدا لي وكأنه يمارس طقساً خاصاً مقدساً.

سكون مهيب يلف المكان.. وكأي شخص أدرك أنه ضيف ثقيل ومتطفل، بدأت أدور حول نفسي، وأبحث عن سبب وجيه لقدومي، ثم عن مكان ألتقط فيه أنفاسي، بعد رحلة أتخمتني بالجديد والأسئلة التاريخية.

ساعات مررت خلالها بالأرض المؤنسنة “حضرموت الداخل”، حيث الجبال والعائلة، وذاكرة الصراع بين القبائل القديمة قبل الإسلام، ناهيك عن السلطنات والهجرة الجماعية.

كل ذلك بحاجة إلى إعادة فرز وترتيب في وجدان واحد. وفي مكان ما من سيئون، وجدت غرفة تنتظرني بشوق، فتهالكت على أحضانها.. “وكانت ذاكرتي تحاول اختصار كل الذي مضى”.

هذا هو الوادي المزغرد بالنخيل
وبالنساء وبالذي ابتدأ الهوى

Related Posts

مقالات

بيس هورايزونس.. مهنية وكفاءة

...

Read more

بيس هورايزونس.. منصة يمنية مستقلة تنصت للإنسان وتضيء طريق السلام

“قبل أن أنام”

Load More

اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  • الرئيسية
  • قضايا انسانية
  • أخبار الفن
  • اقتصاد
  • رياضة
  • منوعات
  • ثقافة
  • نصوص
  • من نحن
  • اتصل بنا
الصورة
موقع إخباري يمني مستقل

© 2019 جميع الحقوق محفوظة لموقع بيس هورايزونس

No Result
View All Result
  • الرئيسية
  • قضايا انسانية
  • أخبار الفن
  • اقتصاد
  • رياضة
  • منوعات
  • ثقافة
  • نصوص
  • من نحن
  • اتصل بنا

© 2019 جميع الحقوق محفوظة لموقع بيس هورايزونس

Login to your account below

Forgotten Password?

Fill the forms bellow to register

*By registering into our website, you agree to the Terms & Conditions and Privacy Policy.
All fields are required. Log In

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Log In
This website uses cookies. By continuing to use this website you are giving consent to cookies being used. Visit our Privacy and Cookie Policy.