- أحمد السلامي
من يدقون أجراس الخطر ويحذرون من تزايد الإلحاد والنقمة على الهوية والدين والتراث، لا يدركون أن هناك ما هو أخطر من الإلحاد، إنه فقدان الثقة بالمستقبل في عالمنا العربي، وهذا هو الشعور السائد لدى الشباب، لذلك يستمر زحفهم نحو أوروبا، رغم مخاطر طريق الهجرة، ورغم تبدل الأحوال وتزايد العنصرية في الغرب.
الإلحاد لا شيء بجانب الوعي بزيف المقولات التي كانت تشكل جوهر الصورة الذهنية العربية والإسلامية حول ذاتها الجمعية وتاريخها.
وهناك من يدفع بهذا الاتجاه حتى من المحيط العائلي للشباب، ومن كل المؤسسات التي تحيط بهم ويضطرون إلى التعامل معها.
لطالما سخرت من إشهار البعض لإلحادهم لأنه يظهر على شكل رد فعل غاضب ومنتقم لا أكثر، ولا يشي بوعي عميق وثقافة بديلة مناهضة للدين من منطلقات فلسفية عميقة.
لكن الأخطر من الإلحاد والجدير بالتأمل بحق، هو الكفر بالأوطان وفقدان الإنسان ثقته بمجتمعه المحلي وسعيه إلى البحث عن وطن بديل.
في غياب الوطن الرحيم والعادل الذي يضمن لك الكرامة ويشجعك على تخيل مستقبلك القادم فوق ترابه، يصبح الكفر بالماضي والحاضر والمستقبل في الجغرافيا الميتة هو الإيمان المفيد والمنقذ.
كل من يدّعون تمثيل القيم الدينية أو القومية أو الوطنية في عالمنا العربي قدموا أنفسهم من خلال هذه المفاهيم بوصفهم سدنة للقهر واليأس والاحتكار والاحتقار.
ورغم ذلك يقلقون من تنامي الإلحاد وضياع الشباب في عالم الإدمان أو سلوك الطرق التي تؤدي إلى الانتحار، بما فيها تجنيد أنفسهم مع جماعات العنف.
ذروة الأنانية في عالمنا العربي تتجلى في منطق رجال الدين وخطابات قادة الأحزاب وأحاديث زعماء التيارات على اختلافها، فجميعهم يراهنون على غباء الناس وعلى استمرار تحشيدهم أو دهسهم أو التمترس بهم، أو على الأقل الاحتياج إليهم كمستهلكين ودافعي زكاة وضرائب.
كل طغاة الأديان والمذاهب والسياسيات والانحرافات بحاجة إلى شعوب ليمارسوا طغيانهم عليها، وما يفعله الشباب الذين يحررون أنفسهم من جغرافيا العذاب هو أنهم يحرمون الطغاة من الوقود البشري الذي يستخدمونه.
ما يفعله التخلف وما يمارسه من إذلال للناس خلال عقد واحد من الزمن، لا يمكن جبره أو ترقيعه بمقولات فاترة حول خيرية الأمة، بعد أن فقدت كل خير وصلاح، وصارت كل المقولات المدفونة في بطون الكتب حول صلاحها وخيريتها بلا مذاق وبلا سند يدعمها في الواقع.





