- أحمد السلامي
أمشي في شوارع ليست لي، وأعيش أياما لا تشبهني، وأعرف أن الوطن مفهوم نحمله في المخيلة؛ يزهر أكثر وتستطيل أغصانه في الطفولة؛ يتحقق ويكتمل، فنضعه في علبة الذاكرة، حتى لا نخسره، ثم نمضي بقية أعمارنا نبحث عن وطن الذاكرة الطفولية، الوطن الذي في العلبة الشقية، بشوارعه الترابية والمطر والماء ينسكب من المزاريب، وهيبة الكبار ونحن نغافلهم ولا نصغي للوصايا.
ومع ذلك يبقى وطنا حتى لو أصبح رمادا، حتى لو غزاه الجراد، سنبقى نقلق على المحصول، والثمرة، وعلى كل ورقة في شجرة لعبنا في ظلها، أو أكلنا من ثمرها.
الوطن هو نحن، وحزمة أغان، وقتال شرس ودؤوب ضد المحو، وضد كل من يجتهد بلؤم ليبني سورا يججب عن الناس وطنهم.
نحن نحرس الوطن في الذاكرة، إذن نحن نهدم السور الجديد، ونرفض (الجدار العازل) بيننا وبين ذكرياتنا، بيننا والأسماء التي علقت في الوجدان منذ طابور المدرسة، أعني أسماء الأبطال.
من يخون الوطن هو ذلك الذي يريد استبدال لائحة أبطالنا الذين حفظنا أسماءهم في المدرسة، وخيانة الأسماء محو وتطفل واستبدال وإحلال.
كل احتلال يأتي من الخارج، وكل إحلال يأتي من الداخل، والإحلال أشد من الاحتلال، وحرب على الوجدان، وبذرة لفتنة طويلة وموت وذبول لأغصان الوطن لكنها تتجدد.
تتجدد أغصان شجرة الوطن، لتذبل مقابلها الأشجار الدخيلة، لأن الحطب الناشف يستقوي بلهبه ليحرق ويحترق، لكنه يتحول إلى فحم، أما الأحلام الجمعية فإنها تنتصر في النهاية، تنتصر الأحلام ويسقط من يخون أسماء الوطن الحسنى في حفرة من الوهم.





