- كتب: أحمد السلامي
لنقل إن التحدي الذي يواجه الرواية في مختلف الأقطار العربية، أو ينبغي أن يكون كذلك، هو تحدي سقف التلقي والقراءة والنقد، الذي ينبغي أن يقارن كل رواية مهما كان موطن كاتبها بالرواية العربية عامة، وليس بنماذج من الإنتاج المحلي لبلد الكاتب فقط. لأن السياق الإبداعي العربي ينبغي أن يكون معيارا للقصيدة، والرواية، والقصة، والمسرحية. والحال كذلك يسري على اللوحة التشكيلية والفيلم السينمائي، وأعمال الدراما ومختلف ألوان وأشكال الفن والإبداع.
ورغم تفاوت التجارب الإبداعية في كل بلد، إلا أن الإبقاء على المنجز المحلي معيارا وحيدا لاختبار مدى الإجادة والحرفية العالية والتجديد، فيه قدر كبير من الخلل المعرفي والجمالي. ناهيك عن حرمان الناشر والمنتج والمعطى الفني والإبداعي من التسويق والتلقي على امتداد جغرافية اللغة العربية ونطاق ثقافتها.
وتزداد الحاجة للاحتكام إلى نماذج الكتابة الإبداعية العربية المتجاوزة للنمطي والسائد، بفعل انهيار الهامش والمركز، وبفعل اختفاء الحواجز الجغرافية والتقاء الأماكن وتداخل وارتقاء قراءات الجمهور إلى مستوى لا يرضى بتقسيم الذائقة إلى محلية وإقليمية وعربية، بعد شيوع نمط من التلقي الحر والمنفتح على جماليات النص وحدها، بمعزل عن الروافع المحلية والاعتبارات التي كانت تأتي غالبا من خارج الكتابة لتبرر للركاكة، وتحرص على أن تموضع النص داخل سياقه المحلي وتحاصر فتوحاته وإضافاته بمقدار ما أنجزه مبدعو أهل البلد، لا بمقدار ما أنجز من فن ومن تلق رفيع داخل عالم الفن والأدب عامة، وهو تلق عابر للمحليات وغير عابئ بها وبما تطمح إلى تحقيقه أو ما تكتفي به.
نحن أيضا أمام نشاط جديد من التلقي أصبح يتخطف النص الأدبي ويجعله يسبح عائما كما لو أنه على ظهر موجة متحركة في محيط من قراء العربية. أعني القراء الذين صار بإمكانهم العثور على جواهر النصوص السردية والإشارة إليها لذاتها، بمعزل عن بلد كاتبها.
إنه نمط جديد من التلقي أفلح في تعويم الذائقة المحلية وتخلى عما يحيط بالنص من هالات كاذبة أو متوهمة، وذهب إلى سطوره مباشرة، فأصبحت كل رواية تكتب وتنشر بالعربية منزوعة من الدسم القطري ومن هشاشة القداسة المحلية، ومطالبة أكثر بإرضاء ذائقة القراء الذين لا شأن لهم إلا بالنص وبتفكيك شيفرته واستكشاف تلك الجذوة المشعة التي تميز كل نص أصيل واستثنائي.