- كتب: طه العزعزي
عن الأدعياء أكتب لك ياصديقي ضياف البراق .
أكتب اللحظة، أكتب ذلك وبداخلي أصوات ثورية غاضبة، أصوات تساعدني على نقض وجرح الهشاشة ذاتها، كذلك هي تساعدني من أجل حل وإرساء وضعية ثقافية مناسبة، إن فرز العاهات بالنسبة لي ولك، وبالنسبة لأي إنسان حُر ينمي إرادة المشروع الثقافي شرف ورسالة سامية، تكمن هذه الرسالة على قطم نوابت الدعائيين من الشجرة الثقافية ذاتها.
صديقي العزيز لا يزال المجتمع بسيطًا بأفكاره، بسيطًا في حياته، بسيطًا كل البساطة في تطلعاته أيضًا، أناس ليسوا يحلمون بالمستقبل بقدر ما يصارعون مُلمات أيامهم، ليست تعنيهم الفكرة ولا النقاش الحُر يعنيهم أيضًا، ما يشغلهم أكثر اللحظة ولا سواها، أغلبية الناس هنا لا أمل طموح لهم، ثم إنه لا رجاءً ثوري يبغونه لتحقيق إنجازاتهم، الهواء في حياتهم أهم لهم من حقوقهم الأخرى في الحياة نفسها، هؤلاء هم والهواء سوا، فارغين، أظافر العدم تحك آباطهم بتنكيف زائد، تسخرُ منهم ومن يومياتهم بلذاذة فاجرة، ولذلك لا شيء يبدو مدهشًا في نظرهم مع زيادة إنسجامهم بالوضع الراهن، ظهور هذه الكمية الزائدة الزائفة من حشرات القمال الثقافية الماصة تنبثق من عمق إفرازات المجتمع نفسه،بتطفل سافر هي الآن تشفط من المفاهيم والأفكار ما يروج لها بغية الركض وراء النجومية، من متسع الجرح والتوترات الثقافية والسياسية والإقتصادية تظل .
وماذا نتوقع منهم؟، هؤلاء الأدعياء، فعلاً ما الذي نتوقعه منهم، المفارقة هنا تقول، إن أي دعي لا يعرف قدر نفسه ولا يضيق إذا عرفها من الآخرين، سعة القذارة وسيطًه بين فكرته الشائهة ونفسه التي تزين له حتى الرماد، الدعي ياصديقي، نسقً لا فكرة ولا خلق، يظل نسق، خذها مني، خذها ببلاش !، لو صارحت أي دعي، لو قلت له أنت سيء، فإنه بلا شك سيعتبرها وسام شرف منك، هذه اللفظة تروق لهم، لأنهم بلا شرف، وبلا إنسانية، ولذا غالبًا ما نجدهم يعومون في أتفه المواضيع ، الأدعياء بلا إحترام، وبلا ذوق، ذوقهم هابط جدًا، قلائل معرفة، ولن يروق لهم في حياتهم العامة سوى حيلهم المتواصلة على إزعاجك وتكدير صفوك، فنجان قهوتك الذي تشربه سيسقطون عليه مثل ذبابة بذئية، وإلى جوارك سيهبطون على الكرسي الوحيد الذي تجلس عليه ليقولون لك خلاصة رأيهم السياسي والإنطباعي دفعة واحدة، سيسدون أذنك بطينة النفاق، وسيسدون قلبك بحجر، سيمطرون عار الوضوح بفقرة الغموض وإدعاء الحداثة، وهكذا،وظيفتهم إزعاجك، وإزعاج كل لحظة سليمة فيك، إزعاج كل لحظة تأملية، كل لحظة صوفية شاهقة السمو .
ياصديقي العزيز، خُذ هذه أيضًا، الأفكار الكبرى لا يستطيع أن يفصح عنها أي دعي، مهما كانت مقدرتهم الكتابية، مهما يكن مدى تقبل البعض لهم، مهما تكن صدى تصفيقات المشجعين التافهين تفرقع بصوتها الإعجابات من حولهم، مهما كان ذلك، أستطيع القول بأن الأفكار العظيمة، الأفكار الكبرى الحقيقية، لا يجرأ في الإفصاح عنها غير أولئك الكتاب الذين ينتمون للمشروع الإنساني الأوحد، الكتاب الشغوفين جدًا بالكلمة الشغوفين بها أكثر من حياتهم، وأكثر من تعنت نفسياتهم لإقتناص الواجهة، الكتاب المتطلعين للمستقبل كذلك، الذين يكتبون بصدق كما يتحدثون بصدق، وبالصدق ذاته تجدهم يموتون تاركين الحياة برمتها، أكثرية الكتاب ياصديقي الذين توفوا منذُ أزمان لم تعد لهم أي قيمة، لم تعد لهم مكانة في الراهن هذا، وعلى أقل تقدير لم تعد لهم الأهمية التي كانوا عليها في أزمنتهم الغابرة، القول لتوصيفهم عن حق سهل جدًا هؤلاء ببساطة كانوا أدعياء، هذه هي مشكلتهم الخاصة، لم يفكروا بصدق وضمير ولذلك وجدناهم ماتوا موتةً نهابة في قلب الزمان، إستحالوا إلى دوائر فارغة خارج الأزمنة ذاتها، الكاتب الغير مزيف يبعث في أفكاره كل حياته وطاقته، ينفخ فيها الروح، وهو جدير بهذا السخاء كله أن يُبعث في كل مرة لدى عقل القارئ المستقبلي، بينما هذا السخاء كذلك، نحن لسنا نجده وبالمطلق في أوساط العاطلين ذوي العقول الفارغة، في أوساط الفئة الدبقة، الفئة التي تتملك مشاعر لزجة حيال رصها للكلمات وللعبارات المُستهلكة.