- عبدالكريم الرازحي
كان البعض من أهل القرية كلما ابصروا ابن العاقل اقتربوا يسألونه عن المكينة :
- أين كشح ابوك المكينة؟
وحين يقول لهم بأنه لايعلم شيئا عن المكينة
يقولون له : - “لو تحب ابوك وتشتوه يخرج من الحبس دوِّر على المكينة واسال امك اين هي!!
امك تكون داري اين ابوك كشحها !!ولوامك مارضتش تخرِّجها الحكومة باتشنق ابوك.”
وكان عند عودته للبيت يكلم امه بمايقوله هؤلاء وامه تبكي وعندما يسالها عن مكينة الذهب واين اخفاها ابوه!! تنفي وتنكر وكان هو يظن بأنها لاتريد ان تفصح عن مكانها خوفا من ابيه أو خوفا عليه .وحتى يخرج اباه من الحبس وينقذه من المشنقة راح يبحث عن مكينة الذهب بنفسه واستمر يبحث لمدة ثلاثة ايام متتالية بحث اليوم الاول في الدور العلوي ولم يترك مكانا ولازاوية من زواياه إلا وبحث فيها وفي اليوم التالي بحث عنها في غرف الدور الاوسط وفي مخازن الحبوب والاعلاف. وفي اليوم الثالث هبط الى الدور السفلي وبيده فانوس وراح يبحث عنها في بيت البقر والغنم وفي بيت الدجاج. وعندما يئس من العثور عليها خرج للساحة واجهش يبكي وحين ابصره منصور العُزَيْق
ساله عن السبب الذي يدفعه للبكاء
قال وهو يواصل البكاء : “مالقيتوش المكينة والحكومة با تشنق ابي”
قال له منصور العُزَيق : “وانت صدقت لك لعِيصِة تِلعصَك”
ومع منصور العزيق ذهب ابن العاقل لاول مرة الى حيفان لكنه لم يذهب الى حيفان السوق وانما ذهب الى حيفان السجن لزيارةابيه المحبوس وكانت امه قد لحَّت واعطته كمية من اللَّحُوح داخل كيس ليحملها اليه لكن المحابيس راحوا يتناتفون اللحوح من يده وبالكاد استطاع ان يحتفظ بلحوحتين اثنتين واحدة له وأخرى للمترجم صالح الجرادي
و كان الاثنان متهمين بتهمتين اثنتين :
تهريب الجاسوس النصراني والاستحواذ على مكينة الذهب .
كانت النساء في القرية يتحدثن عن النصراني مثلما يتحدثن عن ولي من الاولياء ولم يكن لهن من حديث غير الحديث عن كراماته وعن المعجزات التي حققتها ادويته وكان اكثر مااذهلهن هوتلك الحبيبات الصغيرة التي بمجرد ان يبتلعنها تختفي آلامهن ويزول الصداع من رؤوسهن والحمى من اجساد اطفالهن وكن قد رحن يتحدثن عنها با عجاب وحماس شديدين وكانت شمس راوح ماتنفك تقول لهن :
-” قلت لكن النصراني ثاني والدواء حقه ثاني وانتن ولاتصدقين “
وسرعان ماشاع وانتشر خبر ( حبوب النصراني )السحرية التي تزيل الآلام والحمى والصداع
وكل يوم كانت تصل نساء من قرى بعيدة ونائية تقع وراء الجبال ونساء يهبطن من قراهن المعلقة في قمم الجبال واخريات يصعدن من الوديان السحيقة وجميعهن يقبلن مع اطفالهن ويسألن عن النصراني والفرح يكسو وجوههن.
وعندما يقال لهن بان النصراني جاء ورحل يشعرن بالأسى وبعضهن يجهشن بالبكاء وثمة نساء لم يكن يصدقن بان النصراني رحل اوبانه لن يعود وكل صباح يقبلن من قراهن ويسالن عنه وينتظرنه الى مابعد صلاة العصر ويتألمن من كل من يقطع املهن بعودته وهكذا كل يوم.
كان لديهن امل ولديهن يقين بان النصراني سوف يعود ثانية وسوف يشفيهن من امراضهن
ويشفي اطفالهن. كانت غالبيتهن مريضات ونحيلات بوجوه شاحبة ومصفرة وبعضهن جئن من اجل علاج اطفالهن وكان هؤلاء يسيرون امامهن ببطون منتفخة ومفخخة بالديدان وكان قد شاع بأن حبوب النصراني تقتل ديدان البطن وديدان الراس .
كان منظر النساء المريضات مع اطفالهن المرضى يثير الكثير من المواجع لكن اكثر ماكان يوجع اطفال وفتيان ونساء القرية فتاة اسمها كُنُوز .
كانت كُنُوز كنزا من الفتنة والجمال.. فتاة فاتنة ولها جسد منحوت على هيئة رمح لكن ثآليلا ظهرت في رجليها ويديها وراحت تنتشرفي جسدها ووصلت الى رقبتها ولم يبق سوى وجهها الجميل والحزين .
كانت تأتي كل يوم من قرية”عَيْرِيْم “في القبيطة.
(تبعد عن مركز قرية العكابر ثلاث ساعات بالحمار) وعلى عكس بقية النساء كانت تقبل راكبة فوق حمارها الذي كان اجمل وارشق واسرع من حمار “سيف انعم” ومن كل حمير القرية.وعندوصولهاتجلس في ظل الطولقة صامتة وعليها حزن كحد السكين يجرح كل من ينظر اليها ويجعله يشعر بالحزن عليها وكان الاطفال حين ينظرون الى وجهها الجميل والحزين يحزنون ويتمنون لوان النصراني يعود لينقذ جمالها الحزين.
.
كان حمارهاهو الآخر حزينا مثلها وكان خير رفيق لها وهو محْرَمُها ولم يكن اهلها يعترضون على ذهابها الى قرى نائية ومجهولة طالما انها برفقة الحمار.
كانت قد ذهبت للعلاج عند جميع سادة القرى والمناطق وذهبت فوق حمارها الى
سادة” بني حسان” في جبل حبشي وكانوا جميعهم يعالجونها بمرهم التُفَّال وبنسلين البُصَاق. كانوا يتفلون ويبصقون فوق الثآليل لكن تُفَّالهم وبصاقهم المقدس لم يستطع ان يوقف زحف ذلك الوحش الذي التهم جسدها وكاد ينشب مخالبه في وجهها الفاتن الجميل.
ولشدة ماشعرت كنوز باليأس وفقدت الامل بالشفاء راح عقلها يوسوس لها بالانتحار لكنها عندما سمعت بخبر النصراني الذي وصل الى قرية العكابر وسمعت عن معجزاته وكراماته افرحها الخبر وانعشها ورفع معنوياتها واعاد اليها الامل بالشفاء.
كانت نساء القرية قد احببنها وكن كل يوم حالما تصل يستقبلنها بالقهوة والخبز واحيانا بالشاهي والزلابية لكن حديثهن عن النصراني كان الذ عندها من طعامهن وكان قد اخرجها من صمتها وجعلها تفتح لهن قلبها وعندماراين بان الحديث عن النصراني يعجبها ويفرحها ويخرجها عن صمتها رحن يُعزِّزن املها بعودته ويقوّين ايمانها بحضوره . وذات يوم اخبرنها عن منام فازعة وعن رؤيتها للنصراني في المنام
- فازعة ياكنوز تراءت النصراني وهوراجع للقرية
وكانت فازعة قداخبرت نساء القرية بأنها ابصرت النصراني في منامها يدخل القرية فوق حمار نصراني وابصرت خرج حماره مليان حبوب.
ولاول مرة منذ مجيئها للقرية ابتسمت كنوز وابتسم حمارها وابتسم الاطفال حين راوها تبتسم وحتى الشمس ابتسمت هي الاخرى وسرعان ماانقشع الضباب وتبخر الشعور بالحزن والاكتئاب.ويومها عادت كنوز الى قريتها وهي فرحة مرحة ولشدة فرحها راحت تغني وتصدح بالغناء.