- وميض شاكر
في القرن الأول قبل الميلاد، أطلق الرومان على اليمن اسم “العربية السعيدة”، ذلك لأنها أرض خصبة، مشمسة، وافرة الثروات، أبناؤها يزرعون الزهور على عتبات منازلهم ويهدونها لنسائهم، ويتزينون بالورود فوق رؤوسهم ويستلقون تحت الأشجار، لما لا وهم يبيعون انتاجهم بثلاث أضعاف السعر العالمي ويقضون بقية العام في اجازة، أيضاً لأن شعبها كان يتمتع بالحرية، وفي روايات أخرى، كان يتمتع بالحرية أيما استمتاع، ولا أعرف ما المقصود بـ “أيما استمتاع”، العبارة التي أضافها “جاليوس”، قائد الحملة الرومانية إلى اليمن، في كتاباته!
بالنسبة لي، أنا ابنة القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد، عرفت الأرض المشمسة لا غير، لكن في ذلك خير على كل حال. ومع هذا، ظل اسم العربية السعيدة شاغلاً بالي فلابد أن يكون له أثر غير الشمس وحرارتها.. ثم خلصت إلى أن بقاء الاسم بعد زوال أسبابه يعود إلى أن اليمنيين واليمنييات إذا ما ابتسموا، كانوا أجمل من يبتسم من بين الشعوب حولهم، هكذا عرفت اليمني من ابتسامته لا من تلفته، لكني اليوم أكتشفت سببا آخرا لبقاء التسمية حية.
لقد أوصلتني فرحة اليمنيين بفوز منتخب الناشئين واحتفلاتهم المستمرة منذ ثلاثة أسابيع، رغم ظروف النكد والعيش الضنك المغموسين فيها، إلى أن اليمنيين يعرفون من أين تؤكل السعادة! لما لا والرياحين أو المشاقر والشذاب لازالت في الجوار، تارة في الأعراس والموالد وأخرى في المياتم والقبور! تلك النباتات العطرية هي التي كانت تدل الرحالة على حدود اليمن أو العربية السعيدة، إذ كانوا يعرفونها من طيبها وشذاها.
وهكذا نحن الآن، إذا ما حجب الفقر والحرب والتشظي الرؤية عن اليمن، دلنا إليه طيب الابتسامات والاحتفالات، آخر معاقل الحرية أو جيناتها، تلك التي حملها رجال الورود قبل ألفين سنة، ونراها تزهر اليوم في الأرض وعلى الوجوه كلما دعيناها، خاصة من وسط ليل مظلم، يا الهي ما أقواها!