- عبده منصور المحمودي
تذروني الأيامُ
في الكبْتِ انتظارًا
لاستواء شرودِ ساقيكَ الحنيفةِ
في مداك،
وما رأيتُ مداكَ في الآفاقِ،
رياحُهُ هرمتْ؛ فلم تقوَ
على احتواءِ كهولتي
وخفوتِ نار انتظاري.
آهٍ!
خُطاكَ إلى مداكَ بلا نهايةْ،
نحنُ التّدفُقُ، وامتلاءُ وريدِها:
حياتُنا إلى حياتِكَ عِشْتَها،
يقتاتُها تيهُ ارتحالكَ راجِلًا؛
بحثًا عن مداكْ.
منزوعةُ الأحلامِ أيامي،
وَهُمْ شَرِبْتَ الدمَ المحقونَ
في أحلامهمْ،
وحقَّهم في أن يكونوا منكَ؛
ما دمتَ مختَزِلًا فيكَ وجودَهم،
ما دمتَ مُمْتَصًّا روافدَ حقهم،
في أن يكونَ لهم ـــ كما أقرانهم ــــ
ولو فتاتُ المُدَّعَى
من السعادةْ،
لا انكسارُ ذواتِهم،
في كلِّ دائرةٍ لزهوٍ،
ولا احتقانُ غبْطتهمْ،
أوِ احتراقُ حضورهمْ
بألْسِنةِ التعالي؛
نَعْتًا لعزَّتِهمْ بـ “شرِّ حُسّادٍ”،
على نِعَمٍ
ـــ عليَّ هيِّنةٌ كأندادي ـــ
عزَّتْ بهونِ ارتحالكَ؛
بحثًا عن مداكْ.
لكَ كوخُنا القرويُّ،
ــ أنا المُشَرَّدُ منهُ ــ
وكهفُ حقلي
صارَ لي كوخًا،
وقبرًا دنيويًّا،
أُعايشُ الحيّاتِ فيهِ
مؤمنًا،
فتارةً أنجو بقتلي أقرَعًا،
وكلَّ ليلٍ
من جحورِ الكهفِ
أُلْدغُ مرتينْ.
كم تشتهي قبري الأخيرَ كهولتي!
لولا الجحيمُ،
وحِدَّةُ الأقوالِ؛
لاعتنقتُ الموتَ انتحارًا،
لوجدتُ فيهِ العتقَ منكَ،
من ارتحالِ الوهمِ فيكَ
بحثًا عن مداكْ.
هذا لسانُ البوحِ
ينبتُ في فمي،
ولا أراهُ بحاجةٍ إلى عقوقكَ،
وأنْ تقولَ ليْ: “أُفٍّ”؛
ليذْرِفَ فيضَهُ
بردًا على زهوٍ
لأقربِ شامتٍ
وأبعدِ سامعٍ،
ليذرفَ فيضَهُ
حِمَمًا بجوفِ ليلتِنا،
ومنطقِ ذهنِها المحشوِّ بِغَيْرِنا،
بالنشازِ تناقضًا
في فرحةِ العمرِ يَلْعَقُهُ غيابٌ دامعٌ،
وأنتَ قلبُ الحزنِ في كل ابتهاجٍ:
لأول فرحةٍ،
لأنشودة الضوءِ،
لهمسةِ الوحي في ذهن ليلتِنا،
للمجازات في تاج الرؤى،
لخاتمةٍ لم تعِ كنهَ البداياتِ،
ثمَّ للتناسلِ
في سرابِ ارتحالكَ،
ثمّ ماذا؟!
ما كانَ هذا الفيضُ
يَعُوزُهُ أن تعُقَّ شفاهَهُ؛
إنَّ العقوقَ عليَّ أهونُ
من صنيعكَ مُلقيًا
قميصَ برِّكَ في سنا وجهي؛
حتى غدوتُ بهِ ضريرًا.
أسرفتَ في ضخِّ البهاءِ
وزيفِهِ،
في غابةٍ من نرجسِ الألوانِ
في ريشي،
وها أنا قد انتهيتُ من اعتصاري،
ـــ لماءِ وجْهِكَ ــ
لونَ وجهي، ولونَ ريشي.
ها أنتَ تنفقُ ما مضى من عمرهمْ،
وثَرْوَةَ الأيامِ من ألواحِهمْ،
وارتعاشاتِ خريفِ عمري،
وما اعتنقتُ الموتَ دينًا.
ها أنا: أتيهُ مقتولًا،
بما تبقى من وجودي،
في التيهِ أحملُ جثتي،
وفي الشغافِ من بقيعةِ حيرتي،
أهيمُ بحثًا عن سماءٍ،
فيها أواري جثتي،
ولا لقابيلي غرابَ يلهمني،
ويثقب حيرتي؛
بحثي الضريرُ بلا نهايةْ،
كما خُطاكَ إلى مداكَ بلا نهايةْ.





